الخوف


من منا لايخاف  بطش يومياته ولا يستبطن مكامن غدّه  ، من منا لا يلقي التوجس بضلاله على أحلامه وخطواته فيكبح 
جماحها حينا ويصقلها وينقذها أحيانا  فالأيام رحلة نفترش فيها الأمل والحلم  فتشرئب رقابنا لمعانقة السماء لكنّنا أيضا 
نتلحف فيها بالنباهة والحذر  درأ لمشاكل وإبتلاأت قد تتقاذفها الأقدار في مفترق طرقاتنا .

الخوف  بالنسبة لي هو مرض صحي، هو سقم وجودي ،هو بلسم يضع حدا لعبثية الزمن ويرسم حدودا لأهدافنا
بدقّة متناهية لا تغفل حتى أبسط التفاصيل فهو من المضادات الحيوية لمعالجة نتوأت  مشاغلنا اليومية والمستقبلية 
لكن أن نخاف لا يعني أن لا نحلم، أن نخاف لايعني بتاتا أن نقتل أفكارنا ونوصد باب التغيير فالخوف كل الخوف من
أن يصبح الخوف من التغيير هاجسا يوصد إنبلاج فجر مشرق  من على شرفات أيامنا ،الخوف كل الخوف من أن نصبح
ضحايا خوفنا نعيش تحت رحمته ونتخذه شماعة لنقتل قناديل طموحنا و إرادتنا  فالشقاء أخو النعمة من الرضاعة
و لولا ما تكبّد الإنسان من شقاء وتعب لما أوجد جاها وسلطانا ونعمة هو يعيش بها وفي بعض الأحيان لها،  كذا الحال
مع الخوف،  فالخوف أخو الشجاعة وإن تضادا، فالشجاعة إن كابرت وتجاهلت الخوف كانت عبثية وجلبت المتاعب
لصاحبها وإنقلبت حياته كدرا و لولا مساحة الخوف من تحولها إلى تهور و خطر داهم  لما كان النجاح حليفا رفيقا 
وأنيسا  ولما كان الهدف واضحا مضمونا صريحا.  

كيف لنا أن لا نخاف ونحن نقبع في ساحة معترك الزمن  وبين دفتي باب اليوم والغد في سباق لا يتوقف ولا تعرف
مسالكه ومكابده ولا حتى حيثيات طبيعته أو حتى منتهاه وخارطته ،كيف لنا أن لا نخاف ونحن لا نجد أثرا نقتفيه فلكل 
منا طريقه يرسمه لوحده وإن تعب و همّ بالركون إلى الراحة  قد يقع في جرف الزمن ودوامة الرتابة  فالوقت كالسيف
إن لم تقطعه قطعك و إن لم تسبقه لن ينتظرك .

الخوف فينا درجات تقتضيها مراحل عمرية وحياتية معيّنة  بل و أوضاع وأبجديات و أولويات فما يخيف الصغير
ليس نفسه ما يخشاه الكبير وما يتوجس منه الرجل ليس إلزاما ما تخافه المرأة وما تهتزّ له فرائص الشاب الأعزب ليس
هو ما تنتفض له أسارير الأب وما تخافه المراهقة الحالمة  قد لاتحرك له الأم المثابرة  ساكنا... ولو وضعنا مقارنات 
وتجارب  وأمثلة لضللّنا نعدّدها صباحا مساأ ولن ننتهي  من ذكرها ..

ثقافة الخوف هي نتاج طبيعي لسيروة حياتنا وبلورة لمراوحة بين علاقاتنا وتصرفاتنا وخطواتنا لكن تبقى المشكلة 
في جرعاتها ،علينا فقط أن لا نسّرف فيها فتتملكنا وأن لا نسايرها بل نوازنها ونهادنها حينا ونماطلها أحيانا في المقابل
لا نتقاسمها ولا نتشاركها ولا ننشرها فلكل منا مخاوفه وهواجسه فأنانيتنا ليست فقط  في جمع ما نحب إمتلاكه 
وما ننّشده لأنفسنا  بل تتجسد أيضا في حفظ مانخشاه وكتمه و تغييبه أحيانا عن عمد .

بالنهاية أن نخاف هو أن نعيش ونحافظ على مكتسبات معينة  وأن نخاف من الخوف هو أن نظل حبيسي نظرة سلبية 
من الخوف وآثاره ولو أمعنا النظر لوجدنا للخوف عدة أوجه مشرقة قد تقلب موازين حياتنا رأسا على عقب فالخوف 
هو سياسة وحرفية وتأنّ وسلامة و من غاب عنه الخوف هلك ولو في بضعة  أميال ..

الكاتب : ولد الغرسلي


شكرا لتعليقك