80% من أمراض العصر سببها الضغط النفسي الناتج عن الإفراط في الاهتمام بالجانب المادي اعتقادا -لاواعيا- في النظرية القديمة القائلة بأن الإنسان كائن مادي يعيش حاليا تجربة روحية. والأصل أن الإنسان كائن روحي يعيش حاليا تجربة مادية، هذا ما أثبتته آخر الدراسات. ذلك أن المفهوم ذاته تطور كما تطورت سائر مفاهيمنا للأمور والظواهر التي تحيط بنا عبر التاريخ، فليس مفهوم الإنسان في العصر البدائي كمفهومه في عصر لاحق ولا هو قبل داروين كما هو بعده ولا هو قبل اكتشاف علم النفس كما هو الآن وهكذا ودواليك.. لقد تطور مفهوم الإنسان مرورا بعدة تناقضات فتارة هو شبيه بالحيوان وتارة هو سليل القردة وتارة أخرى هو حيوان ناطق وأخرى هو متميّز بالعقل والإدراك،... وكل ذلك دليل على أننا كنا على مدار السنين والقرون نبحث عن التوازن ونتسأل عن كنهنا وعمّا نكون وكيف نبلغ السلام الداخلي المطلق.
وفي فترة ما كان من الصعب جدا إقناع العديد من الناس بأنهم كما يغذون أجسادهم لابد لهم من تغذية أرواحهم، بل الأصعب كان إقناعهم أن النفس تمرض وتتعب مثلما أن الجسد يتعب ويمرض، وأن التكلان كله على الروح، بما اجتمع فيها من الحب المطلق والسلام المطلق والمشاعر العميقة، نفخة الله فينا والتي هي أحق بالرعاية من الوسيلة الجسدية التي نتعايش بها في عالمنا هذا والذي هو كما تقول فلسفة أفلوطين عالم الاختبار الذي نزلت فيه الروح في قوالب لم تخترها.. لذا فنحن لسنا أجسادنا، لسنا طولنا ولا لوننا ولا حجمنا ولا أسماءنا ولا لغاتنا التي نتواصل بها في عالم المادة، وإنما نحن طاقة روحية طاهرة ونقية قدر لنا أن نخوض تجربة مادية مشتركة، ووحدهم من يوازنون بين مطلبات الجسد وحاجيات الروح من يتمكنون من العيش في سلام وتحقيق ما اتصل به وما اتصل بالحب من أهداف سامية، لأن الأنفس مجبولة على حب الخير.
وتأمل معي أولئك الذي ماتوا بأزمة قلبية مثلا، هل تحصل الأزمة القلبية فجأة من دون سوابق؟ إنما هي تراكم لمتاعب كثيرة يمر بها المرء ولا يلقي لضرورة علاجها بالا، وإني لا أقصد هنا متاعبا جسدية بل أعني تلك النفسية: الغضب والإحساس بالظلم والانفعالات القوية السلبية من حسد وكره وكيد وعدوان وسائر مولدات الطاقة السلبية الأخرى.
والمرض هو في الأصل علامة، أو إشارة إلى أننا ننتهج الطريق الخطأ، نمارس سلوك حياة خاطئ، لا نوازن بين المادة والروح. إنه رسالة يتعين علينا فهمها، فإذا لم نفهمها فإنها ستعود بشكل أقوى، كالصفعة، فهي تنفع لإيقاظنا من غفلتنا. ومهما كانت درجة خطورة المرض فإن التوازن وحده، والتوازن الحق، هو علاجه الشافي الكافي.
لذا تجد الأشخاص الذين تنضح وجوههم وكل حضورهم محبة وهدوءا داخليا واضحا، وتجد الأشخاص الشغوفين جدا بالاستهلاك وكثيري التذمر من كل شيء. فالذين يعتقدون في أن أصلهم من المادة سيغرقون في الماديات والذين يؤمنون بأن أصلهم روحي سينورون روحيا ويشعون على من حولهم.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء