عندما تقول أودري هيبورن عن فيلم The Nun’s Story أنه الفيلم المفضل لديها، فذلك إشارة مباشرة لأنه يجب مشاهدته، ولكوني توقعت بعض الملل وعدم استمتاعي به، قمت بتأجيل مشاهدته كثيراً حتى حان الوقت المناسب لمشاهدة واحد من أكثر أفلام الجميلة هيبورن نضجاً.
الفيلم من إنتاج عام 1959 أي خلال الفترة الذهبية لهيبورن عندما قدمت أفلاماً متوالية حقق كل منها نجاحاً أكثر من سابقيه، ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أن أفلامها في الخمسينات كانت تميل لكونها خفيفة تجمع بين الكوميديا والرومانسية، لذلك كان فيلم The Nun’s Story خيار مختلف بالنسبة لها ولكنه استحق هذه المغامرة، وحقق نجاح مادي كبير في شباك التذاكر، ما بين أرباح بلغت 12.8 مليون دولار، من ميزانية 3.5 مليون دولار.
الفيلم المغامرة
فيلم The Nun’s Story مقتبس عن الرواية الأكثر مبيعاً للكاتبة كاثرين هلم، والتي استلهمت أحداثها كذلك من قصة حقيقية للراهبة “ماري لويس هيبتس” وقام روبرت أندرسون بتحويل الرواية إلى نص سينمائي، وقد التزم في ذلك بالدقة الشديدة، وأخرج القصة بسلام من المأزق الديني الذي كان من الممكن أن يقع فيه عند تناول قصة الراهبة الصغيرة والتحديات التي تقابلها وكيفية تعاملها معها.
راهبة، ممرضة أم إنسانة؟
تبدأ الأحداث بجابي الفتاة البلجيكية الجميلة، تقف في غرفتها مرتدية زي الراهبات البسيط وتترك مقتنياتها الدنيوية لتذهب إلى الدير وتبدأ رحلة الرهبنة.
يبدو على جابي الإصرار والثقة في قراراها التي حاول أخوتها وأبيها إثنائها عنه، ونعلم منذ البداية أن هدفها من الرهبنة هو العمل كممرضة في الكونغو مع الأهالي وخدمتهم فيما عدته غاية أهم من أي شيء أخر لديها.
وفي الدير تبدأ في التخلي عن كل ما يتعلق بحياتها السابقة بنفس راضية، وتقوم بأخذ عهودها ببساطة شديدة كما لو إنها معدّة منذ الولادة لتصبح الأخت لوك.
ولكن تبدأ العراقيل توضع أمام هدفها الأكبر، وتعرف أن سفرها إلى الكونغو ليس سهلاً كما توقعت، فمن أول القواعد التي يجب ان تلتزم بها في الدير الطاعة العمياء، وهزيمة الكبرياء والغرض الشخصي، وإيمانها بقدراتها كممرضة كفؤ ورغبتها في السفر هم أمرين غير مناسبين لشخصية الراهبة التي يجب أن تلتزم بقواعدها.
ولكنها تضع هدفها نصب أعينها وتتقبل في سبيله كل العراقيل، وتنجح في النهاية بتحقيقه ولكن تصاب أيضاً في الكونغو بالإحباط وتشعر أن قواعد عالم الراهبات والطاعة العمياء لازلت حائلاً بينها وبين سعادتها التامة في خدمة المرضى.
وفي الكونغو تلتقي بالطبيب الأوروبي غير المتدين الذي يضعها أمام مرآة نفسها، لتسأل نفسها لأول مرة هل هي بالفعل تملك الشخصية الملائمة لتكون راهبة، أم تلك كانت الوسيلة الوحيدة لتحقيق هدفها؟ هل لو ابتعدت عن العمل الميداني ولجأت للجانب الروحي للراهبات ستشعر بالسلام مثل زميلاتها؟ وتأتي محنة الحرب العالمية الثانية لتضعها في موقف اتخاذ القرار بين المضي قدماً أو التراجع.
راهبة بالفطرة
بالطبع أداء أودري هيبورن لا غبار عليه في هذا الدور على الأخص، فملامحها الهادئة البسيطة كانت مثالية تماماً للراهبة، وقد احكمت السيطرة على جسدها، فتحولت من الفراشة المليئة بالحيوية التي تعود عليها الجمهور إلى ريشة هادئة تكاد لا تلاحظ حركتها، وقد استخدمت نظرات عيونها في التعبير عن مكنونات صدرها وأفكارها دون الحاجة إلى حوارات أو منولوجات مطولة.
وعلى الرغم من قصر دور بيتر فينش وظهوره في النصف الثاني من الفيلم فقط فقد كان مؤثراً للغاية واستطاع أن يجعل من كل مشهد له علامة لا تُنسى، وكذلك دين جيجر في دور والد جابي الذي ظهر في مشاهد قليلة فقط لكنها مشاهدة هامة ومؤثرة على أحداث الفيلم.
فريد زينمان يرسم لوحة إخراجية
المخرج العبقري فريد زينمان استطاع أن يجعل من فيلمه بورتريه من عصر النهضة، استخدم فيه تناسق الألوان والاضاءة في جعل العديد من المشاهد أيقونية للغاية، خصيصاً مشاهد مراسم الرهبنة، والكونغو، والتركيز على ملامح الأخت لوك وإظهار مشاعرها ومخاوفها دون كلمات، وقد ساعده على ذلك كذلك الموسيقى التصويرية لفرانز واكسمان المرهفة والبسيطة.
فاز فيلم The Nun’s Story وترشح للعديد من الجوائز، على رأسها ثمان ترشيحات للأوسكار، ولكن لم يفز بأي منها والترشيحات هي أفضل فيلم، أفضل ممثلة في دور رئيسي للمثلة أودري هيبوبرن، أفضل مخرج “فريد زينمان”، أفضل نص مقتبس، أفضل تصوير، أفضل مونتاج، أفضل صوت، أفضل موسيقى.
في النهاية أدخلنا فيلم The Nun’s Story بسلاسة في قلب عالم الراهبات، لم يرغب في أن ينفرنا منه أو يحببنا فيه، فقط نقل صورة حقيقية صريحة، وناقش معنا قضايا الإيمان والالتزام، وعشنا مع جابي رحلة طويلة، بدأتها بثقة شديدة، ولكن مثل الكثيرين غيرها وجدت نفسها تتغير على مر السنوات، ربما النضج أو وضوح الأهداف جعل من رؤيتها لحياتها تتغير، وتعلمنا معها أن التراجع قد لا يكون فشلاً بل بداية جديدة لحياة قد تكون أكثر نجاحاً أو إخفاقاً لكن على الأقل هي الخيار الأصح في بعض الأوقات.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء