10 أفلام فلسفية عميقة وساحرة بصريًا

أقدِّم في هذه القائمة عشرة أفلام عميقة فلسفيًا، وساحرة بصريًا. من الصعب اختيار عشرة فقط، ويستحق الكثير من المخرجين، الذين انضمت أفلامهم إلى هذه القائمة، ذكرهم بأكثر من فيلم واحد، ولكنني حددت فيلمًا واحدًا لكل منهم.

10- المدينة الكبيرة Metro-polis (فريتز لانج، 1927)


المدينة الكبيرة هو أبدع أفلام «فريتز»، ويبرز مؤثرات خاصة مذهلة. تدور أحداثه في عام 2026، وهو فيلم عن قمع الطبقة العاملة على يد رجال الصناعة الأثرياء، وبصورة خاصة، رجل أعمال يدعى «جو فريدرسون»، يلعب دوره «ألفريد آبل». أسس «لانج» مجازًا سوف يُستخدم ويُعاد استخدامه مرة تلو الأخرى، فجعل «فريدر»، ويلعب دوره «جوستاف فروليخ» ابن جو فريدرسون، يقع في حب امرأة من الطبقة العاملة.
تغير هذه التجربة المنيرة للبصيرة فريدر، وتجعله يحارب من أجل حقوق المحرومين. هذا الفيلم استكشاف للتكنولوجيا وعلاقتها بالبشرية، أكثر من كونه «انتفاضة ماركسية أو هيجلية للبروليتاريا»؛ إذ يفحص لانج ـ تحديدًا ـ كيف يمكن للتكنولوجيا والسباق من أجل مضاعفة الإنتاج والكفاءة جعلنا نتوه عما يهم حقًّا الحياة ووجودنا. والفيلم بهذا المعنى نابع من مقالات «هيدجر».
ما يجعل الفيلم بديعًا أكثر هو جماله؛ إذ يستخدم فيلم «المدينة الكبيرة» الذي أُنتِج عام 1927 مؤثرات خاصة مذهلة، جاعلًا المشاهدين مقتنعين بأن فريدر يعيش حقًّا في مجتمع مستقبلي قادر على مثل هذا التطور الصناعي الضخم. وظَّف لانج مئات الفنيين، وبعض المصورين، الخبراء لبلوغ هذه الواقعية.

9- ضوء الشتاء Winter Light (إنجمار برجمان، 1963)


كان «برجمان» يعرف كيف يبني مشهدًا، ويستخدم الكاميرا؛ لالتقاط روعة الحياة اليومية. فيلم «ضوء الشتاء» هو أحد أفلامه العديدة التي تدور حول «صمت الرب». يتتبع الفيلم «القس توماس إريكسون»، ويلعب دوره «جونار بيورستراند»، وهو يتعامل مع عشيقته، و«الأبرشيين» المضطربين بشدة.
نشهد في بداية الفيلم «الأبرشي جوناس بيرسون»، ويلعب دوره «ماكس فون سيدو»، الذي ينتحر، والفوضى التي يحدثها انتحاره بين أسرته وأصدقائه. يهتم برجمان هنا ـ أساسًا ـ بقدرة الله الكلية، وما إذا كان يمكنها أن تهادن الشر العظيم الذي يصيب العالم. ببساطة، هل يمكن أن يوجد إله كلي القدرة، كلي المعرفة، ويسمح مع ذلك للأفراد بالانتحار؟
يستكشف فيلم ضوء الشتاء هذا الصمت، ويقابله بالتصوير السينمائي الساحر. والمشاهد المصورة في الكنيسة مدهشة، تستخدم إضاءة مسرحية؛ لتُعلي من مزاج المشاهد، بينما يتعامل توماس مع عشيقته. تقابل الأفعال المظلمة التي يقوم بها هذا الثنائي الزائف بلقطات لتوماس، وتمثال الصَلب، موضِّحةً كيف تبدو المعاناة الحقيقية، ومدى أهمية الإيمان، في مواجهة الخطر الكبير والألم والفتنة.

8- مجاز مرسل، نيويورك Synecdoche, New York (تشارلي كوفمان، 2008)


يتتبع الفيلم «كادين كوتارد»، الذي يلعب دوره «فيليب سيمور هوفمان»، الكاتب المسرحي المحتضر، خلال عمله على إحدى مسرحياته المفرطة في الطموح. تُكتَب مسرحية كوتارد، ويتدرَّب عليها الممثلون على مدار عقود، بينما تخرج حياته عن السيطرة، ولا تنتهي قط. النقطة التي يركز عليها الفيلم هي «فناء كادين»، ورغبته في اغتنامه تمامًا في الحياة، وفوق المسرح. يقتبس في نهاية الفيلم مقولة لـ«هيدجر»، ويتلاشى من المسرحية، والوجود.
حقق «كوفمان» عبقرية حقيقية مذهلة في هذا الفيلم الذي كان فيلمه الأول، وجعل النقاط الرئيسة العبثية للحبكة تبدو معقولة وطبيعية تقريبًا بطريقةٍ ما. ربما يرجع ما يلي إلى أن الفيلم عن مسرحية، فالفيلم بأكمله مضاء إضاءة ساحرة. والأكثر من ذلك، أنه يبدو أن كوفمان يحب مشاهد القبو، وينجح في جعل تلك المشاهد في الفيلم تبدو مظلمة ورطبة، مثل أرواح الشخصيات.

7- النافورة The Fountain (دارن آرونوفسكي، 2006)


يتتبع فيلم «النافورة» شخصيتين، على مدار ثلاثة خطوط زمنية تناسخية منفصلة، ولكنها متشابهة. في العصر الحديث، يوشك «توم كريو»، يلعب دوره «هيو جاكمان»، أن يفقد زوجته «إيزي»، وتلعب دورها «ريتشل وايز»؛ بسبب السرطان، ويعمل طبيبًا يجاهد لإيجاد علاج. قبل ذلك بخمسمائة عام، يبحث «توماس كريو» الفاتح في أمريكا اللاتينية عن نافورة الشباب تحت إمرة الملكة «إيزابيلا». ومع اقتراب العام 2500 يحاول «تومي كريو» جلب شجرة الحياة إلى «زيبالبا»، نجم «المايا»، أملًا في إعادة زوجته من زمن بعيد.
يدور فيلم النافورة حول الموت: حول طبيعته المنيعة القطعية، ليس هناك شيء يمكن لشخصيات «جاكمان» فعله في أي من مسارات الحبكة المنفصلة يسمح له بالتغلب على الموت، مع إيمانه الصامد بكل جهد يبذله.
الفيلم ساحر بصريًا إلى أقصى حد؛ فمشاهد مسار الحبكة في الزمن الحديث مصوَّرة جيدًا بإضاءة داكنة، ومشاهد الحقبة الوسطى في أدغال أمريكا اللاتينية الجميلة كثيرة الشجر، ولكن الأروع هو مشاهد المستقبل، التي يجاهد فيها تومي ليصل إلى زيبالبا. قرر مخرج الفيلم «دارن آرونوفسكي»، بدلًا من تحريك هذه المشاهد، أن يصور الخميرة خلال نموها تحت «الميكروسكوب»، لتقديم بنية واقعية للنجوم التي يمر بها تومي، وهو قرار ممتاز جعل الفيلم يستمر طويلًا، وقرار مبدع إلى أقصى حد.

6- السوداوية Melancholia (لارس فون ترير، 2011)


يتتبع الفيلم امرأة شابة، «جاستين»، التي تلعب دورها «كيرستن دانست»، في حدثين من أهم ثلاثة أحداث في حياتها: زفافها ووفاتها. وهو يصور بالطبع هذين الحدثين بأكثر طريقة غريبة وعدمية ممكنة، ولكن الفيلم به عمق يحرِّك نفوس المشاهدين. تركيزه الأساسي على فحص للموت والعدمية، فنرى الجميع يموت، ثم لا شيء، ظلام، صمت.
ولكن الفيلم مدهش، من الناحية البصرية والسمعية. يبدأ بمشهد مدهش بالتصوير البطيء مدته 15 دقيقة يصور نهاية الأرض، ولا بد أن يشمل هذا بعض الحركة، ولكن «فون ترير» ينفذه جيدًا. من الواضح جدًا أن فون ترير أراد أن يكون الفيلم مقلقًا، ولكن موهبته الفنية، التي لا يمكن إنكارها، أعاقت هذا الأمر.
أقدِّم في هذه القائمة عشرة أفلام عميقة فلسفيًا، وساحرة بصريًا. من الصعب اختيار عشرة فقط، ويستحق الكثير من المخرجين، الذين انضمت أفلامهم إلى هذه القائمة، ذكرهم بأكثر من فيلم واحد، ولكنني حددت فيلمًا واحدًا لكل منهم.

5- ليس بلدًا للعجائز No Country for Old Men (الأخوان كوين، 2007)


«آنتون» (خافيير باردم) شيطان قاتل، يذبح كل مَن يقابل في طريقه، في مشهد غربي شاسع قاحل، كل هذا بحثًا عن أموال المخدرات المفقودة. وفي هذه الأثناء، نجد مدير الشرطة «تومي لي جونز» يشهد كل هذه البشاعات، وهو مصدوم وعاجز عن الكلام. وفي مواجهة العدمية المبهمة وقواها المدمِّرة، لا يمكنه تبرير هذه الأفعال أو ما وصل إليه العالم، ويشعر أنه في غير مكانه تمامًا، ألا نشعر بذلك جميعًا؟
الفيلم رائع. ويتمكَّن «الأخوان كوين»، بطريقةٍ ما، من استيعاب الغرب، كما كتب عنه المؤلف «كورماك مكارثي» أساسًا وتصويره، ويقدمون لقطات مذهلة وفارغة تنقل إحساسًا حقيقيًّا بالوحدة، ولا أعني إحساسًا بالملل والوحدة وافتقاد الأصدقاء، بل أعني إحساسًا بأن تكون وحدك في بلدة شاسعة مفتوحة، دون أحد تلجأ إليه ليساعدك.

4- السراب Fata Morgana (فرنر هيرتزوج، 1971)


ربما يكون فيلم السراب هو أكثر أساليب «فرنر هيرتزوج» تجريبيةً. موضوعه هو الخلق، وجمال الأرض. نسمع طوال الفيلم مقتطفات من أسطورة الخلق الخاصة بحضارة «المايا»، إضافةً إلى أمثال تناقض أنفسها. يراد بالفيلم أساسًا التساؤل عن الخلق، وكيفية نشأة الأشياء، ولكنه يتساءل في نفس الوقت عن الحقيقة وكيفية إدراكنا للأشياء. هل يمكننا الثقة بحواسنا؟ أو بطريقة ديكارت، هل كل شيء حقًّا سراب أو مثالًا لشيء لا يمكننا إدراكه تمامًا؟ يدعو هيرتزوج مشاهديه لطرح هذه الأسئلة في كل لقطة.
كان الكثير من الصور لسراب صحراوي، والتي تلتقط هذا الجمال، بينما تُشكِّك مباشرةً في الواقع. يلتقط هيرتزوج أيضًا لقطات مذهلة للرمال والمياه من أعلى، ويقرنها بروايةٍ لصنع تباين حاد، صارخ، لدرجة أنه قادر على جعل المشاهدين يتشكَّكون فيما يرون.

3- الكلمة Ordet (كارل ثيودور درير، 1955)


الكلمة هو تحفة فنية من إبداع «كارل ثيودور درير»، مع أن معظم أفلامه تحف فنية، ويتتبع الفيلم صراعات «أسرة بورجن». لقد فقد «ميكل بورجن» (إميل هاس كريستنسن)، أكبر الأبناء الثلاث، إيمانه، ولكنه متزوج من امرأة تقية جدًا، وهي تحمل طفله. و«آندرس بورجن» (كاي كريستنسن)، أصغر أبناء بورجن، يسعى وراء ابنة قائد كنسي متشدد، وما زال مدركًا لما يؤمن به تحديدًا. والطفل الأوسط، «يوهانس بورجن» (بريبين ليردوف راي) هو الأكثر تفرُّدًا وتعقيدًا، فيُقال لنا إنه جُنَّ «عند دراسته كيركجارد»، وأصبح مقتنعًا بأنه «يسوع المسيح».
الفيلم أساسًا تحليل للإيمان: كيف يحصل عليه المرء، وماذا يمكنه أن يفعل به، وماذا على المرء أن يفعل؛ كي لا يفقده. فيلم الكلمة جميل، وخاصةً في المشاهد التي يكون فيها «يوهانس» في الريف. عندما يترك المنزل، يسير وسط الأعشاب الغزيرة ويُصوَّر مستنيرًا تمامًا في مواجهة السماء الصافية خلفه.

2- فارس الكؤوس Knight of Cups (تيرنس ماليك، 2015)


انتُقِد فيلم ماليك الأخير بشراسة، وأسيء فهمه إلى حدٍ بعيد. إنه فيلم قوي مليء بفلسفة «كيركجارد» التي تضاهي مَثَل «الابن الضال». «ريك» (الذي يلعب دوره كريستيان بيل) شاب جوال قد نسي سبب وجوده هنا، والسبب بالطبع هو أنه أحد مخلوقات الله، التي من المفترض أن تخدم خالقها. وبينما يتجول يشعر أنه وحيد وناقص، وأنه يساهم في هذا الشعور، دون أن يدرك ذلك عبر عيشه حياة من الفجور، وعدم الشعور بالمسؤولية. بينما تبدو حياته ـ نظريًّا ـ نجاحًا رائعًا؛ لأنه منتج ناجح، يقود سيارة مكشوفة، ويسحر النساء، ويسكن في شقة عصرية.
رسالة الفيلم هي أن هناك في الحياة ما هو أكثر مما يمكننا أن ندركه بحواسنا، وإذا استيقظنا من حلم الحياة هذا، وأدركنا الأمر المهم حقًّا (سبب وجودنا)، يمكننا حينها أن نحيا جيدًا وبسعادة.
يصور «ماليك» ـ كعادته ـ في الفجر والغسق فقط تقريبًا، ويستخدم الضوء الطبيعي بطريقة جميلة وجذابة. الفيلم تجريدي، ربما أكثر أفلامه تجريديةً حتى الآن، ولكنه يستحق المشاهدة بالتأكيد، وربما سيغطي على أفلام ماليك العميقة المذهلة الأخرى المستقبلية.

1- المُلاحِق Stalker (أندري تاركوفسكي، 1979)


يروي الفيلم حكاية رحلة «مُلاحِق»، يلعب دوره «أليكساندر كيدانوفسكي»، يدخل إلى منطقة روسيا السوفيتية بصفته مرافقًا لرجلين بائسين. ربما تكون الترجمة الأمثل للمقصود بكلمة Stalker هي «المُرشِد». داخل هذه المنطقة، يُشاع وجود غرفة تحقق لمَن يدخلها أعمق رغباته. من الضروري هنا التأكيد على جملة «أعمق رغباته»؛ لأن أعمق رغبات المرء قد لا تكون الأمنية التي يعتقد أنه يريدها. الدافع المركزي للفيلم هو التشكيك في الواقع، وكيفية تحديدنا ما هو حقيقي في مقابل ما نعتقد فقط أنه حقيقي، (وهو سؤال جوهري في الإبستمولوجيا).
قام «تاركوفسكي» بعملٍ مذهل في التقاط روعة المناظر الطبيعية السوفيتية، فنرى لقطات جامعة للمناظر الطبيعية، وتبدو النباتات مزهرة وحيوية. وكذلك كانت لقطات المبنى الذي تقع فيه الغرفة مبهرة، فهي مشاهد آسرة وجميلة حقًّا، فتضيف إلى الإحساس السحري الذي يصل إلى المشاهدين عندما تسافر الشخصيات عبر المنطقة.

شكرا لتعليقك