نزوات الخلفاء


"وإذا جنّ الخليفة جنوناً مطبقاً بعد مبايعته انحلّ عقد الإمامة وبطل"، أي أن مبرّراً واحداً كفيل بخلع الخليفة في الإسلام، وهو "الجنون المطبق". التاريخ الإسلامي حافل بالخلفاء الذين لا تُعدّ سيرهم وبعض عاداتهم مشرّفة، وفق منطق الإسلام نفسه، ولكن بما أن الدين الإسلامي يحرّم الخروج على الخليفة، نرى بعض الخلفاء مارسوا نزواتهم للأقصى. عقب تنصيب أبو بكر البغدادي نفسه خليفةً جديداً على المسلمين، لا بدّ أن نسترجع "نزوات" بعض خلفاء المسلمين، علّنا نقدر أن نتنبأ بما قد يخطر في بال البغدادي بعد أن يدعّم أسس دولته.

برغم كثرة الروايات والخلافات وتكذيبها ونسف مراجعها ورجالها، نستطيع أن نلقي نظرة على هذه الأخبار للاستنارة. المراجع المعتمدة تمّت مطابقتها مع الأصول الورقية، ولم نتعمّد الدخول في خلافات تاريخية في شأن صحّة الكتب والأخبار ورواتها.
يزيد بن معاوية - 647-633 هـ.
من أكثر الخلفاء إشكالية على مرّ التاريخ الإسلامي، ابن الخليفة الأموي الأول معاوية بن أبي سفيان، ومحطّ خلاف الطوائف بمجملها، حتى إن السنّة يتحاشون الحديث عنه. هو متهم بقتل الحسين وحصار ابن الزبير وغيرهما من الأحداث في بداية العصر الأموي، لكن ما يهمّنا ليس نشاطه السياسي. عُرف يزيد بأنه كان يربّي قردة وكلاباً وفهوداً وكان قرده يكنّى بـ"أبي قيس"، كما كان مدمن خمر، سكّيراً، حتى إنه حين خلعه أهل  المدينة المنورة وبايعوا غيره، رجم الكعبة بالمنجنيق، وقيل إن الغناء انتشر على أيام حكمه في مكة والمدينة كما ظهرت الملاهي، وهو صاحب القصيدة الأشهر في الغزل وهي "خذو بدمي ذات الوشاح" والتي تلخص نزواته فيقول: "فوالله لولا الله والخوف والرجا، لعانقتها بين الحطيم وزمزم/ وقبلتها تسعا وتسعين قبلةً، براقة بالكف والخد والدم/ ووسدتها زندي وقبلت ثغرهاً، وكانت حلالا لي ولو كنت محرم".
الوليد بن يزيد - 86-126 هـ.
هو الخليفة الأموي الثاني عشر ويختلف الوليد عن سابقه يزيد، فالأخير في تحدّ مع الإله والسلطة، ونزواته ليس لها حدود. بالإضافة إلى حبّه للشرب والغناء وضرب الموسيقى، كان يجهر بـ"المعاصي". فمرّة أراد الحج ليسكر في الكعبة، ويقال إنه راود أخاه عن نفسه. الوليد لم يقم اعتباراً لأحد ولا لأي مقدّس، والأخبار التي وردت عنه لا تصدّق لغرابتها، مع ذلك لا يمكن أن ننفي صحّتها كلها. فمرّة طلب من جارية أن تتنكر وتئم بالناس، ومرة أقام بركة من الخمر ليسبح فيها ويشرب منها، حتى إنه قال الشعر مشكّكاً في نبوّة محمد بن عبد الله: "تلعب بالخلافة هاشمي، بلا وحي أتاه ولا كتاب/ فقل لله يمنعني طعامي، وقل لله يمنعني شرابي".
الأمين - 787-813 هـ.
الخليفة العباسي الأمين من أسرة خلفاء، فأبوه هارون الرشيد وأخوه المأمون كانا خليفتين، ورغم اختلافه مع الأخير وحصار المأمون له وقتله، فقد كانت حياة الأمين أكثر غرابة ممن سبقوه. برغم الأخبار المختلفة عن هارون الرشيد والمأمون وما حدث في عصرهما، فما يميز الخليفة الأمين هو الروايات المتناقلة عن  ميوله المثلية، فقد اشتهر بقصصه مع عشيقه كوثر حتى إنه قال فيه: "ما يريد الناس من صب، بمن يهوى كئيب/ كوثر ديني ودنياي وسقمي وطبيبي/ أعجز الناس الذي يلحي محباً في حبيب".
ويقال إنه حين حاصر المأمون بغداد لخلع أخيه الأمين، أصيب كوثر في وجهه فركض الخليفة إليه ليضمده وهو يقول "ضربوا قرّة عيني ومن أجلي ضربوه، أخذ الله لقلبي من أناس حرقوه". حتى الأمين لم يسلم من أبي نواس، ويقال إن الاثنين كانا يسبحا في بركة بعد أن شربا الخمر، ولاحقاً حين أراد الأمير قتل أبي نواس استعطفه بهذه الأبيات: "يا قاتل الرجل البريء وغاصباً عزّ الملوك/ كيف السبيل للثم سالفتيك أو تقبيل فيك/ الله يعلم أنني أهوى هواك، وأشتهيك/ وأصدّ عنك، حذار أن تقع الظنون عليّ فيك".
المعتضد - 242-289 هـ.
المعتضد أحد أقسى الخلفاء العباسيين. وطّد أركان الدولة وحارب القرامطة، وكانت سياسته تتصف بالبطش. برغم ذلك فهو شجاع وشارك في الحروب وعرفها. سيرته سيرة رجل دولة صان بلاده حتى إنه لقّب بـ"أسد الخلفاء"، لكنه عُرف بعادة كانت سبباً في وفاته، إذ وردت أخبار عن حبّه لممارسة الجنس بصورة مرضية، فعشق جارية له اسمها "دريرة" وجعل لها بستاناً للهو والغناء، لكنه أمر بتدميره لاحقاً حتى قال فيه الشاعر: "ترك الناس في حيرة وتخلى في البحيرة/ قاعداً يضرب بالطبل على حرّ دريرة". يقال إنه توفي بسبب إفراطه في الجنس وعدم اتباعه حمية غذائية وأنه في آخر أيامه اكتفى بأكل الزيتون والسمك.
أبو بكر البغدادي - 1435-الآن هـ.
أوّل خلفاء "دولة الإسلام في العراق والشام"، انشق عن تنظيم القاعدة ويعمل على توسيع أركان دولته في المنطقة. ما يعرف عن حياة البغدادي الشخصية قليل لحداثة ولايته، لكن ما يمكن أن نستشفه من فتاويه هو علاقته الغريبة بالحيوانات. فقد ظهرت فتاوى في عهده تقضي بتغطية "أثداء" البقر، بالإضافة إلى حب الخليفة الجديد للأناقة والساعات المغرية.
شكرا لتعليقك