رواية "الرايس": تخيّلوا الجزائر في زمن العثمانيين




تعود "هاجر قويدري" في روايتها الجديدة "الرايس" إلى فترة الحكم العثماني للجزائر، لتروي عن تلك الفترة التي قلما اقتربت منها الرواية العربية، وتتخذ من شخصية "الرايس حميدو" وهو واحد من أمراء البحر الجزائريين المشهورين محوراً لروايتها.
يتوزع السرد على فصول قصيرة تتصاعد زمنياً من 1791 إلى 1815، ويبدأ بحادثة تاريخية تستلها الكاتبة من كتب التاريخ لتجعل منها نقطةُ لانطلاق الحكاية، "طلب الأهالي من الحاكم إبعاد 50 شقياً في قرية درمنجيلر الكائنة بجزيرة قبرص إلى إيالة الجزائر من أجل الجهاد في سبيل الدين الإسلامي والدولة العثمانية ومن أجل إصلاح نفوسهم".
يكون "بفاريتو" واحداً من أولئك الخمسين، وبعد وصوله إلى الجزائر يختاره "حميدو" ليكون من رجال سفينته. يتناوب "بفاريتو" مع ستة آخرين على سرد الرواية، ويكون لكل واحد منهم حكايته الخاصة التي تتمايز في أماكن، وتتقاطع في أماكن أخرى، لتشكّل بعد اكتمالها قصة إضافية هي سيرة "الرايس حميدو"، البطل الذي لا يروي شيئاً ونعرف حكايته من خلال مرويات الآخرين عنه، وهو شاب جزائري تولّع بالبحر، وجعل منه موطناً له، فعمل في الأسطول البحري الذي كانت مهمته الإغارة على السفن الأجنبية من أجل كسب الغنائم، التي كانت تشكّل المصدر الرئيس لخزينة الدولة آنذاك. غير أن هذه لم تكن المهمة الوحيدة للأسطول البحري الجزائري، بل كان من مهماته أيضاً القضاء على الثورات والتمردات التي تنشأ هنا وهناك ضمن حدود الإمبراطورية، وسرعان ما أثبت "حميدو" كفاءته فعيّن أميرالاً على أسطول حربي.
تصوّر الرواية الحياة الاجتماعية والسياسية في الجزائر أثناء حكم العثمانيين، والدسائس والمؤامرات التي كانت تحاك بين الدايات الأتراك وصراعهم على السلطة، "تخلص الإنكشارية من الداي أحمد باشا، حيث هاجم القصر خمسمائة جندي طوقوا القصر. عندها فرّ الداي محاولاً الهروب عبر السقف، لكنهم أطلقوا عليه النار وهو يستعد للقفز ثم قطعوا رأسه وجرّوا جثته في المدينة. إنها نهاية مشابهة لكل ملوك الجزائر، إلا أن هذا الداي كان جشعاً أكثر من الجميع. لقد فرض الضرائب على كل الدول تقريباً. وأشعل فتيل الحرب بينه وبين الباشا حمودة ملك تونس".
وكما في كل رواية تاريخية فإن المعضلة الأساسية التي تواجه الروائي هو ألا يقع في فخ التأريخ، بل يأخذ منه ما يناسب حبكته فقط، ويبني حوله سرداً يخلص أولاً إلى التخييل الذي هو عصب الرواية، وهذا ما تفعله "قويدر" إذ تنسج حول الأحداث التاريخية عدة قصص وحبكات رئيسية وفرعية، منها حكاية "مريم" خطيبة "حميدو" التي تنتظر طوال أربعة وعشرين عاماً أن يسأم من البحر ويتزوج بها. وحكاية أفراد عائلتها. وقصة "تالار" التي تعمل في تطريز الثياب وتغطي بهذا العمل مهماتها التجسسية التي تكلف بها في بيوت الشخصيات السياسية.
تطرح الروائية أيضاً إشكالية الهوية والانتماء، من خلال شخصية "بفاريتو" الشاب القبرصي الذي يُرسل إلى الجزائر ويعيش حياته هناك ويرافق "حميدو" في رحلاته ويغيّر اسمه إلى "علي طاطار" ويبقى تائهاً بين هذين الاسمين، وحين يعود إلى بلاده بعد خمسة عشر عاماً يكتشف أنه فقد كل شيء يربطه بالمكان، وبالشخص القديم الذي كانه.
بالتوازي مع هذه القصص وغيرها تسير حبكة رئيسية ثانية تتعلق بثروة "السيد علي" وكيل الحرج، إذ يقوم بدفن هذه الثروة تحت جثة الفتاة التي يحبها بعد مقتلها على يد الباشا، وفي آخر أيامه يكتب وصية لأخيه يخبره فيها عن الكنز، "أخي سعدون.. أوصيك أن تعتني بعد موتي بحديقة بيتنا الخلفية، ولتعلم أن تحت الموت حياة أخرى، فإذا أنت تأملت حياتي بين يديك، تقاسمها مع الخضرة. واطلب من خضرة صيدا أن تسامحني، أحتاج أن تدعو لي كثيراً فذنوبي كثيرة جداً ولم يغسلها البحر".
لكن الرسالة تقع بيد شخص آخر، لا يوفق في العثور على شيء، وتتوالى الأحداث والأشخاص الذين يعرفون بهذا الكنز ويحاولون الحصول عليه، لنكتشف في النهاية مفاجأة تتعلق بالشخص الذي آلت إليه الثروة.
أخيراً، يمكن القول أن الكاتبة استطاعت بناء رواية تستلهم من التاريخ مادتها، دون أن تخل بالعناصر التي تميّز الرواية عن التاريخ، بما في ذلك أنها ذهبت باتجاه التجريب في شكل السرد الذي جاء موزعاً على سبعة يحكون كلهم عن بطلٍ لا يظهر إلا بما عاشه معه أو سمعه عنه الآخرون. كما تركت فجوات زمنية كبيرة بين الفصول، رممتها بسردٍ يلتف بذكاء على ما فات ليعيد إنتاجه باختزال.
هاجر قويدري روائية وإعلامية جزائرية، لها ثلاث روايات: "أدعى أوزنجو"، و"نورس باشا" التي حازت عنها جائزة الطيب صالح للرواية عام 2012، و"الرايس”.

الناشر: منشورات ضفاف/ بيروت - منشورات الاختلاف/ الجزائر
عدد الصفحات: 192
الطبعة الأولى: 2015
يمكن شراء الرواية على موقع نيل وفرات أو موقع أرابيك بوك شوب

الكاتب : فايز علام

شكرا لتعليقك