هل المغرب بلد السحر والشعوذة؟ طقوس وأسواق ومخ الضبع الأكثر طلباً


أعاد اعتقال مشعوذة في أحد الأحياء الشعبية بمدينة سلا (قرب العاصمة الرباط) في أول أبريل الماضي، طرح السؤال حول حدود رقعة ظاهرة الشعوذة والسحر في المغرب، ومن هي الفئة أو الفئات الاجتماعية التي تتفاعل معها.
عام 2012، أصدر المركز الأمريكي "بيو" للأبحاث، تقريراً تحدث فيه عن ظاهرة الشعوذة والسحر داخل المجتمع المغربي. ووفق الأرقام التي قدمها التقرير، الذي تناول مؤشرات التدين لدى المغاربة، فإن نحو 86% منهم مقتنعين بوجود الجن، بينما 78% يؤمنون بـالسحر والشعوذة، و80% متأكدون من حقيقة شر العين. في حين لا تتجاوز النسبة 7% ممن اعترفوا باستعمال تعويذات لدفع الشر وجلب الحظ، و16% من مستعملي وسائل أخرى لطرد شر العين ومفاعيل السحر.
يبدو أن هذه الأرقام لم تعرف تغييراً كبيراً. فمن خلال ما تناولته مختلف وسائل الإعلام المغربية الأجنبية والعربية، ما زال المغرب يُنعت ببلد الشعوذة والسحر.
وفي تعليق على تقرير المركز الأمريكي، أوضح مصطفى أحصار الباحث في الشؤون الدينية، أنه على الرغم من ارتفاع مؤشرات التديّن عند المغاربة، إلا أنها لا تعني دافعاً حقيقياً للحد من ظاهرة الشعوذة والسحر. وأكّد لموقع رصيف22، أنه من الصعب جداً وضع حدّ لهذه الظاهرة، التي تشهد ارتفاع عدد المتعاطين لها. وأوضح أن بنية المجتمع المغربي الثقافية، ذات الأبعاد الغيبية، تُعد الركيزة الأساس لتعاطي مختلف فئاته مع هذه الظاهرة.
من جهته، لخّص مصطفى الحجيوي، باحث في علم الاجتماع، أسباب تعاطي السحر والشعوذة في 5 أشياء: "سوسيو - نفسية متمثلة في الحب للتملك، وحب السلطة، والأنانية، والحسد والانتقام". وأشار إلى أن غالبية النساء اللواتي يقصدن السحر تسيطر على عقولهن ثقافة السيطرة على الزوج ومنعه من الزواج بأخرى أو التفكير في الخيانة.

زنقة "العراكات" أكبر "سوق" للشعوذة

IMG20160428134234
زنقة العراكات، واحد من أزقة سوق "جميعة"، الموجود فوق تراب عمالة درب السلطان الفداء بمدينة الدار البيضاء. وتتميز هذه الزنقة بعرض جميع مستحضرات ولوازم السحر والشعوذة. فهي تتكون من دكاكين تتشابه واجهاتها، تعرض أشياء مخيفة تتنوع بين حيوانات محنطة من طيور وريشها، وقنافذ ورؤوس ضباع وجلود أفاع. وتوجد في المحالّ، التي تشرف على غالبيتها سيدات، أعشاب وبعض المعادن والشموع، في حين علق بعض العطارين في واجهات محالهم شموعاً مختلفة الألوان.
غالبية زوار سوق "العراكات" من النساء، لذا يثير تجول الرجل بعضاً من الفضول. تصنعت كوني لست من مدينة الدار البيضاء، وتحججت بالبحث عن "دواء" لدرء النحس. هكذا بدأ الحوار مع سيدة تدعى مي رقية، التي ملأت أحد الأكياس البلاستيكية ببعض الأعشاب وزجت بينهم جزء من جلد الثعبان، وبعدها وضعت قطعة معدنية اللون وأعطتني عنوان لأحد "الفقهاء" الذين يفكون السحر. وشددت على ضرورة زيارته ليمنحني "سبوب" للتخلص من هذا النحس. بعد دفع مبلغ 50 درهماً (5 دولارات) ثمن الكيس ومرفقاته، قصدت محل الفقيه، وعند بلوغ المكان فوجئت بطابور طويل غالبيته من النساء، وأنا وحدي رجل وسطهن.
تنبعث روائح كريهة من أحد المحالّ الصناعية المجاورة لدكان "المشعوذ". تراجعت إلى الوراء والكيس في يدي فالتقيت أحد باعة السجائر وسألته عن صاحب الدكان، فأجاب أن هذا "الفقيه" هو الرابح الأول والأخير. وأشار إلى أن كل من قصد محله يترك "بركة" لا تقل عن 50 درهماً، وبعدها يحدد معه المبلغ الذي سيقدم بحسب نوعية الطلب. ووفق إفادة هذا الشاب وآخرين، يتبين أن هذا "الفقيه" هو مجرد مشعوذ سبق أن اعتقل بسبب امتهانه الشعوذة، لكن في كل مرة "يحظى" بالبراءة.
IMG20160428134331
وبجوار هذا "الفقيه" توجد سيدة ينادونها الحاجة زهرة، تهتم بالأعمال "الخفيفة" وغير "الضارة"، كإعداد الحروز لفك العكس مقابل 20 درهماً (دولارين تقريباً)، وتحدد واجب 30 درهماً (3 دولارات) لكشف الطالع عبر تقنية هز الخط أو قراءة الكف، في حين تحدد سعر "حجاب" القبول بين 150 و250 درهماً (بين 15 و25 دولار).
رفضت مي رقية اعتبار ما تبيعه أعمالاً شيطانية، وقالت إنها ورثت هذه التجارة عن عمتها، وتبيع بعض الأعشاب وبقايا لحيوانات من أجل السحر الأبيض. وأكدت أنها ترفض المشاركة مع من يود القيام بأعمال كيدية وشريرة بواسطة الشعوذة. وأضافت أن 90% من الذين يقصدون دكانها، يبتاعون الأعشاب للعلاج من أوجاع البطن أو من البرد، وشراء الأبخرة والعطور الطبيعية.
وعلى عكس مي رقية، قالت سيدة أخرى في عقدها السادس، إن غالبية المحلات في هذه الزنقة ينتعشون من البضائع والوصفات التي يبيعونها لزبائنهم بغرض الشعوذة. وأضافت أن غالبية زبائنها من النساء، وأن الطلبات تتكاثر في المناسبات الدينية وأواخر شهر رمضان. وأضافت: "أكثر الوصفات السحرية طلباً هي التي تهدف النساء استخدامها ضد أزواجهن، مخافة الفشل في الاحتفاظ بالزوج، أو لتطويعه إذا كان متمرداً وعنيداً لا يعير كلام زوجته أي اهتمام".

حيوانات "خاصة" للوصفات السحرية والضبع هو البطل

أما المشعوذة التي قبض عليها، فقد اشتكى عليها الجيران، وهجم بعض السكان على منزلها، بعد قيامها بخياطة فم قط لأغراض الشعوذة، واكتشف وجود تمائم داخل فمه.

حكاية القط تعود بنا مرة أخرى إلى زنقة "العراكات"، حيث أثار انتباهنا منظر بعض الحيوانات المحنطة، معلقة على واجهة المحالّ، التي يبيعونها للوصفات السحرية. فهناك جلد الثعبان وفرو ورأس الثعلب والضبع وريش الحمام، وفي داخل المحلات يتم تخزين أشياء أخرى مثل لسان الحمار.
ووفق المعطيات التي حاولنا الحصول عليها، تختلف وصفات السحر بتنوع الغرض الذي يرغب في تحقيقه مستعمله. ففي إطار السحر الأسود، الذي يشكل ضرراً بالشخص الذي يستهدفه، يتم استعمال مواد تكون نسبة الضرر العضوي فيها كبيرة. فيتم إعداد وجبة كسكس برأس الكلب وتقديمها ليلة القدر للزوج، الذي تعتبره زوجته عنيداً، بهدف تطويعه وإخضاعه لأوامرها. وتلجأ بعض النساء إلى تحضير خلطات سحرية بواسطة أظافر محروقة لطائر الهدهد، وتقدمها في شكل شوربة للرجل، للسيطرة عليه أو إبعاده من إغراء الجنس اللطيف، ما قد يتسبب له، بحسب أحد الباعة بسوق "العراكات"، بمشاكل صحية خطيرة قد تودي بحياته.
إلا أن الضبع يبقى الحيوان الأكثر طلباً والأغلى ثمناً في سوق الشعوذة، وغالبية المشعوذين يتهافتون على شراء "مخ الضبع" لاستعماله في جلب القبول. وغالباً، ما يطلبه أصحاب المناصب العليا بهدف الحفاظ على أماكنهم والامتيازات. ويصل ثمن جزء صغير من مخ الضبع إلى 10 ملايين سنتيم (نحو 12 ألف دولار).
ويجمع عدد كبير من علماء الاجتماع في المغرب، أن موضوع الشعوذة والسحر يصعب وضع حد له بشكل سريع، فالأمر لا يتعلق بالأبحاث أو الوصلات الإعلانية، بل بمعطى بنيوي للمجتمع . والباحث محمد واعراب يؤكد في كتابه "المعتقدات السحرية في المغرب" أن موضوع السحر والشعوذة ضارب في عمق التاريخ المغربي.

شكرا لتعليقك