نعرف المقارنة الشهيرة التي أجراها انجلز، من جهة
، بين المنطق الشكلي والرياضيات الأولية، التي تعمل على اساس كميات ثابتة، (لا متحركة) والعلاقات البسيطة، ومن جهة اخرى، بين المنطق الدياليكتيكي والرياضيات العليا التي تعمل على اساس كميات متغيرة (متحركة) وعلاقات رياضية معقدة جداً. وكما ان الرياضيات العليا لا تحل محل الرياضيات الأولية، كذلك الديالكتيك لا يسعه ان يحل محل المنطق الشكلي، بل يفترض هذا الأمر، خلافاً لذلك، ان من الطبيعي استخدام المنطق الشكلي في كل موضع نستطيع ان نعبر فيه عن اغراض الفكر بمقولات ثابتة مطابقة لقانون الهوية المجردة (أ=أ).
عالج لينين هذه القضية التي وصفها انجلز وطبقها على حقل الحياة الاجتماعية، على سياسة الحزب، فكتب: (تشبه السياسة علم الجبر اكثر من شبهها الحساب او اقل، انها تشبه الرياضيات العليا اكثر من شبهها الرياضيات الأولية).
والمنطق الشكلي، بعدم مواجهته الأشياء او الأفكار المعنية بالأشياء الا حيث يمكن اعتبارها ثابتة، يضيق الى ابعد حد، افق المعرفة، ولكنه يضيقه بمقدار ما تحتفظ هذه الأشياء، او الأفكار المعنية بها، بهوية نسبية، مع ذاتها، وفقاً للقانون (أ=أ). أما الدياليكتيك يحطم ضيق المنطق الشكلي.
في حقل الرياضيات العليا، يحتفظ جدول الضرب بأهميته ويستخدم بكل دقة كلما كانت ثمة علاقات (2 X 2=4) (ذلك ان الرياضيات العليا تعمل، ليس فقط على اساس كميات متغيرة، وانما ايضاً-وهذا بدهي- على اساس كميات ثابتة)، فالدياليكتيك مثل الرياضيات، يفترض امكان وضرورة مراعاة قواعد المنطق الشكلي في كل مرة نكون فيها ازاء شروط تقتضي هذه المراعاة. يواجه المنطق الشكلي والمنطق الدياليكتكي الشيء الموضوع للدرس مواجهة مختلفة، من ناحية افق كل منهما، بمقدار ما يحيطان به الشيء الموضوع للدرس، من اتساع.
فلنأخذ حكماً ما، بسيطاً جداً، يعتبره المنطق الشكلي بمثابة شيء مكتمل، معطى، وهو يحلله وفقاً لتركيبه، ويفككه الى اطرافه (الموضوع، والمقدمة والطرف الأوسط) وهو يدرس هذه الأطراف كلاً على حدة، وفي علاقاتها الخارجية، وبالتالي فهو يميز هذا الحكم تبعاً لنوع المقدمة والموضوع والطرف الأوسط، ويصنفه بين مختلف مراتب الأحكام تبعاً للعناصر-المستقل احدها عن الاخر- وهي عناصر الصنف، والكمية، والعلاقة، والكيفية.
أما المنطق الدياليكتيكي فهو لا يواجه هذا الحكم كأنه شيء مكتمل، بل بوصفه تعبيراً عن فكرة قادرة على ان تنمو و(تتحرك). وأياً كانت بساطة حكم ما، ومهما بدا عادياً هذا الحكم، فهو يحتوي على بذور او عناصر تناقضات دياليكتيكية تتحرك وتنمو، داخل نطاقها، المعرفة البشرية كلها. اشار لينين في عرضه للدياليكتيك الى انه ينبغي: (البدء بأية قضية كنت، بأبسط القضايا، وأكثرها عادية وشيوعاً، الخ... اوراق الشجر خضراء، ايفان هو رجل، جوتشكا هي كلبة، الخ... فحتى هنا ايضاً... دياليكتيك: فالخاص هو عام... يعني ان الأضداد-والخاص هو ضد العام- هي متماثلة... وحتى هنا ايضاً، ثمة مبادئ أولية، ثمة مفاهيم (ضرورة)، صمة صلة موضوعية للطبيعة الخ... فالصدفة والضرورة، والظاهرة والجوهر، موجودة هنا، فأنا اذ اقول: ايفان هو رجل، وجوتشكا هي كلبة، وهذه ورقة شجر الخ، انما انبذ سلسلة من العناصر باعتبارها عرضية، وأفصل الجوهري عن السطحي، واثبت التعارض بينهما، وهكذا في كل قضية-كما في كل خلية- نستطيع ان نكتشف بذور جميع عناصر الدياليكتيك).
الفيلسوف السوفييتي، بونيفاتي ميخايلوفيتش كيدروف
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء