مراجعة الحلقة التاسعة من مسلسل Game of Thrones :معركة اللقطاء

(تحذير)

هذا المقال قد يكشف بعض أحداث الحلقة

في هذا الموسم من مسلسل Game Of Thrones الذي أعدُه أقل مواسم المسلسل منذ بدايته، انتظر العالم بأسره على أطراف اﻷصابع ما سينجم عنه اﻷمر في الحلقة التاسعة التي حملت عنوان Battle of the Bastards، ليس فقط بسبب الميراث الطويل للحلقة التاسعة على مدار جميع مواسم المسلسل التي حملت في كل مرة حدثًا محوريًا، بل أيضًا بسبب مصيرية هذه المعركة التي باتت حياةً أو موت، إما أن تعود وينترفيل مرة أخرى ﻵل ستارك لترفرف في سمائها الأعلام الحاملة لأيقونة الذئب، أو ستقبع للأبد في قبضة رامزي بولتون الذي يعشق سلخ أجساد ضحاياه، المسألة لا تحتمل إطلاقًا أي حلول وسط، ولا تحمل أساسًا حلول وسط، إما فوز أو خسارة، إما عودة للوطن أو استمرار للشتات.
في هذه المرة، يدرك صناع المسلسل مدى اﻷهمية الدرامية القصوى لهذه المعركة في مسار المسلسل، لذا لا يزاحمها بأي خطوط درامية أخرى سوى بالخط الخاص بميرين حين تقف دينيريس تاريجيريان في وجه اﻷسياد الذين خانوا اتفاقهم مع تيريون لانيستر في السابق، وذلك على النقيض من الحلقة التاسعة في الموسم الماضي التي حملت العديد من الخطوط التي أثرت على مستوى الحلقة ككل، وصنعت شيء من الشتات قبل اﻹقبال على الحدث الرئيسي.
ميرين
لا يحتل هذا الخط بكل مشاهده مساحة كبيرة من الحلقة لصالح معركة اللقطاء، لكن في نفس الوقت كل ما رأيناه في هذا الخط كان حاسمًا على النحو الدرامي دون مماطلة أو مط، حيث تحافظ دينيريس تاريجريان من جديد على شخصيتها الجديدة التي رأيناها في الحلقة الرابعة، امرأة مملوءة بالثقة، وقادرة على تنفيذ ما تقوله حتى لو كانت كل المؤشرات تشير إلى سريانها عكس ما تتوعد به، حيث يواصل اﻷسياد منذ الحلقة السابقة هجومهم الضاري على مدينة ميرين بأسطول بحري ضخم.
يمارس علينا مشهد التفاوض بين الكاليسي واﻷسياد نفس الخدعة التي رأيناها من قبل في تفاوضها مع سادة الدوثراكي ووعيدها لهم في الحلقة الرابعة قبل تنفيذها لوعيدها بالفعل، وهو ما يغري المشاهد المدقق لمقارنة المشهدين ووضعهما بجوار بعضهما البعض، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أكثر فأكثر على وضع باتت عليه الكاليسي، نعم لا زالت تحمل في داخلها قيم مثالية تحمل بتحقيقها، ورؤية لعالم أفضل خال من العبودية والاستغلال، لكنها صارت في الوقت ذاته شخصية أكثر حسمًا وثقة في نفسها ولا ينتابها أدني شك فيما تقوله، ومن فرط ثقتها نرى تيريون لانيستر مهزوزًا وغير واثق من حصافة فكره في حضورها، خاصة بالنظر لما جرى للمدينة بما يناقض الاتفاق الذي أبرمه سابقًا.
تحالف يارا وكاليسي
يعضد مشهد التفاوض بين دينيريس ويارا جريجوي أكثر فأكثر من هذه الصورة التي تترسخ حول دينيريس، اﻷمر لا يتوقف على اتفاق كلاهما على نفس النقاط حول القوة النسائية القادمة في الدفع بويستروس لما هو أفضل من الوضع الحالي، هناك شيء خفي لكنه يصل للمشاهد ضمنيًا في تواصلهما اللحظي باﻷعين واللمعة التي بدت فيهما خاصة مع ردها المراوغ وغير المباشر حول وجود عرض زواج ضمن الاتفاق، لترد الأخرى بعدم طلبها لذلك مع استعدادها ﻷي شيء، خاصة بما عرفناه مؤخرًا حول ميول يارا الجنسية المثلية، اﻷمر لا يستغرق سوى لحظة ونظرات باﻷعين لكنها تصرح كثيرًا بما لم يقال، ويفجر العديد من النظريات والتصورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي لشكل تطور العلاقة بين دينيريس ويارا، وما إذا كانت ستقتصر على التوافق السياسي، أم سيشوبها أيضًا توافق عاطفي وجنسي مع الوقت.
وينترفيل
نأتي اﻵن لمربط الفرس، للمعركة التي طال انتظارها والتي ستحدد مصير آل ستارك للأبد بعد كل ما قاسوه طوال المواسم الماضية، لكي تقرر بقاء اسم ستارك أو فنائه.
تمهد الحلقة لوقت طويل للمعركة قبل بدايتها بكثير، مشددًا على حالة الترقب الشديدة التي تعتمل في نفوس المشاهدين، فتبدأ في البداية بعدد من اللقطات التأسيسية التي تكتسي لونيًا بالرمادي واﻷزرق الباهت مما يفتح اﻷفق بصريًا أمام كلا الاحتمالين.
أضف إلى ذلك الثقة الشديدة التي يتحدث بها رامزي بولتون حينما يحاول حمل جون سنو على تنفيذ ما يأمر ﻷنه يملك جيشًا أكبر من جيشه، حينها يؤكد المخرج على موقف رامزي بصريًا من خلال القطع بلقطات متوسطة تتحول مع استمرار حديثه الواثق وتبجحه بعدد جيشه الضخم إلى لقطات قريبة مما يعزز سيادته على الصورة بعكس موقف جون سنو بصريًا، لكن سنو يسلبه في المقابل هذا التسيد البصري لوهلة حينما يسأله عن ولاء رجاله له ليرتد رامزي فجأة في لقطة واسعة تجعله يقف على نفس الخطى مع رجاله المحيطين به قبل أن يعود للتدارك مجددًا، خاصة مع كونه يقف موقف قوة باحتجاز شقيقه ريكون ستارك.
بعد ضبابية اﻷزرق، نأتي إلى طغيان اللون البني في نقطة تمركز جون سنو ورفقائه، ضاربًا ستار من الاحاطة البصرية حولهم عازلًا إياهم عن استقراء المصير الذي لا يزال مجهولًا خاصة مع الخشية المسيطرة من التفوق العسكري لقوات رامزي على قواتهم، وهي اﻷحاسيس التي تتفجر جميعها مع المشادة الكلامية بين سانسا ستارك وجون سنو، ليدخل اللون اﻷسود بقوة في الصورة، ليترك مساحات هائلة من الظلال على وجه كل منهما.
السير دافوس
وفي مقابل ظلمات البني واﻷسود، تبرز لحظة تنوير شخصية منتظرة منذ الموسم الماضي بالنسبة للسير دافوس، حينما يعثر على اللعبة التي منحها للأميرة شيرين وهي مطمورة في التراب، وفي نفس الموقع حينما قدمها والدها المخبول أضحية ﻹله النار، مما يعطيه فكرة عن الكيفية التي ماتت بها، لتترجم هذه اللحظة بصريًا على الفور في بداية تباشير الشروق وانجلاء الليل البهيم في لقطة واسعة تضع دافوس في وسط هذا التنوير البصري مجازيًا وواقعيًا.
قبيل المعركة، يتواصل الماضي مع الحاضر ويتشابك معه من جديد في نفس الدائرة المفزعة، حيث الدخول مع نفس العدو في معركة جديدة بعد فشل اﻷولى فشلًا ذريعًا، والتفكير فيما أدى إليه الانضواء تحت قيادتي مانس وستانيس براثيون من خلال حوار دافوس وتورموند الساخر مما يعزز حالة التوتر أكثر.
ووسط الصمت المطبق سير الخيول ورفرفة اﻷعلام والاستمرار في حالة الضبابية مع اﻷزرق، تبدأ المعركة المنتظرة التي تستمر لقرابة النصف ساعة على الشاشة، ومن موضع الثقة الذي يقف فيه رامزي مع رغبته في ممارسته ﻷلعابه السادية، يرمي رهينته ريكون في آتون مقامرة وحشية تعتمد على قدرته في النجاة بحياته، فإما أن تطيش سهام رامزي عنه في قلب هذا الفضاء المفتوح، وإما أن تصيبه، ولا خيار ثالث.
ومع استمرار المعركة، تستمر اﻷمور بين شد وجذب حتى تأتي لحظة قوية يتم "بروزتها" بصريًا على الشاشة حينما ينجو جون سنو من الموت بعد أن كاد يغرق وسط بحار الجنود المتدافعين المحاصرين من قبل جيش رامزي بولتون، حيث الانعتاق مجددًا من دائرة الموت التي تحيط به كبداية للطريق نحو النصر.
مع انقلاب الموازين، تتغير نظرة رامزي من ثقة إلى توتر وخوف لا يقدر على إخفائه حتى مع مواجهة جون سنو داخل سور وينترفيل، ليحاول بلا جدوي إخفاء كل ذلك بالابتسام والمطالبة للنزال كحالة نفسية دفاعية رغم يقينه أنه قد بات هالكًا، ليلكمه جون سنو في وجهه حتى يكتسي بحمرة الدم، ويتوقف حتى يمنح شقيقته سانسا نصيبها المستحق من الانتقام من رامزي، ليموت على يد كلابه المسعورة بسبب تجويعها المتعمد على مدار أسبوع كامل، لتنتهي إلى اﻷبد سيرة أكثر شخصية مكروهة في المسلسل منذ الملك جوفري، ولا يحرمنا صناع المسلسل من التشفي في حال رامزي، ليذوق من نفس السم الذي صنعه.

عن هذه الحلقة:

الشمال لا يتذكر فقط، بل يستعيد ذاكرته من جديد، ويسترد اسمه المسلوب في يوم حاسم، هذه حلقة للذكرى.

بقلم: محمود راضي 

شكرا لتعليقك