فريدريك شوبان ....شاعر البيانو فى العصر الرومانتيكى



من أعلام مؤلفي الموسيقا البارزين في العصر الرومانتيكي المؤلف البولندي فريدريك شوبان 1810-1849 شاعر البيانو في ذلك العصر الذي جاءت أغلب مؤلفاته للبيانو المنفرد باستثناء بعض الاعمال القليلة فقد كانت آله البيانو هي وسيلته المفضلة للتعبير عن مشاعره وأفكاره وقد جمع أسلوبه الموسيقي بين رشاقة الموسيقا الفرنسية وحرارة الإيقاعات البولندية فتميزت مؤلفاته ببلاغة موسيقية ومذاق فني خاص جعله يستحق عن جدارة لقب شاعر البيانو في العصر الرومانتيكي ويحسن أن نلقي بعض الأضواء علي حياته وأهم أعماله حتي نتعرف علي الأسباب التي جعلته يحتل تلك المكانة البارزة بين مؤلفي الموسيقا ،في ذلك العصر ولد فريدريك فرانسوا شوبان في الثاني والعشيرين من فبراير عام 1810 بمدينة زيلازوا وولا التي تبعد حوالي ثلاثين ميلا عن مدينة وارسو أم العاصمة البولندية وقد قضي شوبان نصف حياته في وارسو ونصفها الثاني في باريس وكان الأخ الذكر الوحيد بين أخواته الإناث وربما كان لذلك أثره علي اسلوبه الموسيقي الذي يتميز بالرقة البالغة في أكثر الأحيان. وقد ظهرت مواهب شوبان الموسيقية في سن مبكرة حتي أنه استطاع أن يقدم حفله الاول كعازف بيانو وهو في التاسعة من عمره وقد درس شوبان البيانو علي يد الآستاذ زيوني كما درس التأليف الموسيقي علي يد الآستاذ إلسنر وقد ظل دائماً معترفاً بفضلهما عليه. وكان إلسنر بحكمته يقول دعوه وحده فله طريقة نادرة لأن مواهبه نادرة وعندما سئل شوبان في رجولته المبكرة وهو في مدينة فيننا مدينة هايدن 1732-1809 وموتسارت 1756-1791 وبيتهوفن 1770- 1827 وشوبرت 1797-1828 و المؤلفين والأساتذة العظماء سئل شوبان كيف استطاع تحصيل كل هذا العلم في وارسو وهو بعيد علي حافة الحضارة الموسيقية الأوروبية؟ أجاب شوبان بقوله : " تعلمت من زيوني وإلسنر فإنه حتي أكثر الناس حماقة لابد وأن يتعلم منهما شيئاً" وقد كان شوبان اجتماعياً بالفطرة فقد أحب الصحبة وأحبته الصحبة وقد اختلط طوال حياته بأناس مثقفين ويمكن القول لم يختلط بغيرهم وفي تلك الفترة كان أصحاب السطوة الأدبية في وارسو والعواصم الأوروبية الأخري كل من شيللر 1759-1805 وجوته 1749-1832وبيرون 1788-1824 وشكسبير 1564-1616 ولكن من الصعب تتبع تأثيرهم علي مؤلفات شوبان.
وفي عام 1825 زار أليكساندر الأول قيصر روسيا مدينة وارسو وسمع الصبي شوبان فأعجب به وأهداه خاتماً ماسياً تقديراً لفنه وفي تلك السنة نشر شوبان أول أعماله للبيانو وهو روندو في سلم دو الصغير تحت مصنف رقم (1) وإن لم يكن ذلك هو اول عمل كتبه شوبان وفي عام1828 زار مدينة برلين وفي أغسطس من العام التالي قدم حفلين في مدينة فيينا وفي تلك الفترة قابل شوبان مؤلف الموسيقا وعازف البيانو النمساوي الشهير يوهان هاميل 1778-1837 وعازف الفيولينه الإيطالي البارع نيكولو باجانيني 1782-1840.
وفي السابع عشر من مارس عام 1830 قدم شوبان حفل بمدينة وارسو وبهذة المناسبة كتب كونشيرتو البيانو والأوركسترا في سلم فا الصغير مصنف (21) وقد نشر علي أنه رقم (2) ولكنه في الحقيقة كتب أولا وبعد ذلك قرر الرجل الرحيل عن بولندا لأنه أحس أن مواهبه وقدراته الفنية تحتاج إلي آفاق أرحب لتحلق فيها حيث عواصم الموسيقا في العالم آنذاك وبمناسبة رحيله أقام له أستاذه إلسنرا حفل وداع وكتب له غنائية خصيصاً لتلك المناسبة ثم أهداه علبة فضة ملأها بتراب وطنه بولندا وقد حرص شوبان علي تلك العلبة وما فيها من التراث حتي آخر لحظة من حياته ثم سافر بصحبة أحد أصدقائه حيث زارا مدن بريسلو ودرسدن وبراج وفيينا وحقق نجاحاً في العاصمة النمساوية. وفي شهر يوليو عام 1831 سافر إلي ميونيخ ثم إلي اشتوتجارت وفي المدينة الأخيرة سمع نبأ سقوط وارسو في أيدي الروس وفي ثورته عقب سماعه ذلك النبأ كتب ( الدراسة الثورية) الشهيرة في سلم دو الصغير مصنف (10) رقم (12) في سبتمبر 1831 وفي وقت مبكر من أكتوبر 1831 وصل شوبان إلي مدينة باريس واستقر بها وأصبحت مركزه الرئيسي طوال السنوات الباقية من حياته وسرعان ما كون صداقة مع مؤلف الموسيقا المجري الشهير فرانزليست 1811-1886 ويمكن القول بأن شوبان قد تأثر في موسيقاه إلي حد ما بأعمال مؤلف الموسيقا وعازف البيانو التشيكي دوسيك 1760-1812 والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو النمساوي يوهان هاميل 1778- 1837 والمؤلف الموسيقي وعازف البيانو الأيرلندي جونفيلد 1782- 1837 ومؤلف الأوبرا الإيطالي فينشينزو بلليني 1801-1835 وفي باريس أحس شوبان بالحنين إلي وطنه الذي لا يستطيع العودة إليه ومن وحي تلك المشاعر كتب مقطوعات موسيقية علي أساس ألحان قومية بولندية وذلك في مؤلفات المازوركا والبولونيز وفي عام 1835 واثناء زيارة شوبان لمدينة درسدن التقي بفتاة بولندية في التاسعة عشرة من عمرها ووقع في غرامها ولكنها لم تبادله الحب مما جعله يشعر بخيبة الأمل وتحول نحو امرأة أخري تكبره بخمس سنوات هي الروائية الشهيرة جورج صاند واسمها الحقيقي أورور دوديفان وارتبط بها بقوة وكانت امراة متحررة وتتشبه بالرجال ولفتت إليها الأنظار بتدخين السيجار وارتداء السراويل كان لها عدد من الأطفال تقوم برعايتهم وكانت قد سمعت بعض مؤلفات شوبان وطلبت من فرانزليست أن يقدمه لها وفي باريس حقق شوبان نجاحاً كبيراً كمؤلف موسيقي وعازف بارع لآلة البيانو فتسابق أبناء الطبقة الأرستقراطية لدراسة البيانو علي يديه وفي تلك الفترة بدأت تظهر عليه علامات إصابته بمرض السل الذي قضي عليه في نهاية الأمر.وفي نوفمبر 1838 اصطحبت جورج صاند شوبان وأطفالها إلي جزيرة مايوركا بسبب سوء الطقس في باريس ولكنهم فوجئوا بجو أسوأ في الجزيرة. كما أن سكان الجزيرة لم يكونوا يتحدثون سوي اللغة الأسبانية بالإضافة إلي خوفهم من أن يصيبهم شوبان بالعدوي فكانت الإقامة غير مريحة مما أدي إلي ازدياد حالة شوبان الصحية سوءاً فسارعوا بمغادرة الجزيرة وبرغم من تلك الظروف نجح شوبان في إنجاز عدد من المؤلفات ودونها وتضم تلك المؤلفات الكثير من المقدمات مصنف(28) واخيراً عادوا إلي فرنسا في أواخر فبراير 1839وفي عام 1847 حدث نزاع كبير في عائلة دوديفانوتهور شوبان وانجاز إلي جانب ابنتها صولانج التي كان زواجها من أحد المثالين محل استنكار جورج صاند وابنها موريس وقد حطم هذا الموقف العلاقة بين شوبان وجورج صاند وفي ابريل 1848 زار مدينة لندن ولكن صحته كانت واهنة وعندما كان يذهب للعزف في بيوت الأسقراطيين كثيراً ما كانوا يحملونه إلي الأدوار العليا.كما عزف في كل من مانشيستر وجلاسكو وأدنبره وأمضي وقتاً طويلاً بين أصدقائه الفنانين حيث لقي كل الترحيب.وعندما عاد إلي لندن حوالي شهر نوفمبر وأحس بسوء حالته الصحية والمالية معاً.وفي حالي منتصف الصيف زادت حالته المالية سوءاً فقامت صديقته الروسية الكونتيسة أوبريسكوف بتقديم بعض المساعدات. ولكن صحة شوبان إزدادت سوءاً فاستدعوا أخته من بولندا لترعاه في أيامه الأخيرة وفي السابع عشر من أكتوبر 1849 مات شوبان وسط أصدقائه فصلوا عليه في كنيسة المادلين الشهيرة في باريس وحضر جنازته أربعة آلاف شخص بالإضافة إلي المغنين وأعضاء أوركسترا كونسيرفتوار باريس الذين عزفوا القداس الجنائزي وعزفت إثنتان من مقدماته علي آلة الأورغن وبناء علي وصيته فقد إنتزعوا قلبه ليدفن في وارسو ثم نثروا علي جثمانه تراب بولندا الذي كان معه في العلبة الفضية التي احتفظ بها طوال الوقت ثم دفن بجوار صديقه بلليني. وهكذا كان شوبان وفياً لوطنه حياً وميتاً.
وفيما يلي بيان بأهم مؤلفاته:
أعماله للبيانو المنفرد:
4 بالاد- 27 دراسة – 12 بولونيز- 25 مقدمة -4 سكرتسو - 3 سوناته - 17فالس-فانتازيا في سلم فا الصغير - 3 وهليات- 19 ليلية - 51 مازوركا
مؤلفاته لموسيقا الحجرة:
ثلاثية للبيانو – سوناتة للتشيللو – مقدمة وروندو للتشيلو والبيانو. بالإضافة إلي (2) كونشيرتو للبيانو والأوركسترا ويقول هوجو لايختنتريت عن موسيقا شوبان:
" لا يعرف إلا القلائل أن تآلفات فاجنر وليست الكروماتية الأخاذة هي وليدة تآلفات شوبان ، وأن شوبان هو مكتشف هذا العالم الجديد بظلاله المتألقة، وانتقالاته الأخاذة من أسطع الألوان إلي أقتمها، وأنه هو الذي اكتشف سلم الألوان الموسيقية.فعند شوبان لم يعد السلم الموسيقي كما هو في الموسيقا الكلاسيكية في أركان البناء الموسيقي، بل أصبح اساساً ذا قيمة تلوينية وقد عني شوبان بوصفه الأب الحقيقي للموسيقا التأثيرية بهذه التصويرية أكثر من عنايته بأي جانب آخر من جوانب السلم الموسيقي وأصبح للانتقالات اللمية عنده معني جديد. ففي الموسيقا الكلاسيكية كانت التحولات من جانب الشكل والبناء فهي مصممة وفقاً للمكان والزمان. ومن الإجراءات التي لا مناص من إتباعها في الطريقة الكلاسيكية البدء في سلم موسيقي معين ثم ينتقل من هذا السلم علي أن تتم العودة إليه في النهاية ولا يتجاهل شوبان هذه الوظيفة البنائية للسلالم أو ينكرها، إلا أن أكثر ما كان يعنيه ويطرب له، كان البراعة في حجب هذه السلالم أو عدم إظهارها، أى أن ما كان يهمه هو أن يكون للموسيقا الظلال اللونية الرقيقة التي كان الرسامون الرومانتيكيون وبوجه خاص صديقه الحميم يوجين ديلاكروا ينشدونها وقد نظر شوبان للون علي أنه عامل أولي مستقل له مكانة بارزة في الموسيقي بشرط ألا يتأثر التماسك أو تتأثر الميلودراما من جراء زيادة اللون. وربما أمكن التعبير عن ذلك بدقة أكثر إذا قلنا أن السمة الأساسية المميزة لموسيقا شوبان الرومانتيكية هي الميلودراما المتخيلة في صورة لون دائم التغير أو في صورة لون يتحرك أو ينساب، وفي مثل هذا الفن من الضروري أن يكون الإختلاف بين الضوء والظل وبين الألوان الباهتة والألوان الصارخة ذا أهمية أولية ويؤدي هذا إلي اللجوء إلي جميع السبل المتيسرة بما في ذلك الإيقاع والأنتقال من العنف إلي الرقة لتحقيق ذلك. وقد لجأ شوبان إلي عدة سبل للتعبير عن الرؤي الرومانتيكية للألوان باختلاف درجاتها، كان من بينها ما يلي:
·        مرونة الإيقاع
·        وفرة إشارات القوة واللين
·        التشديد في إطلاق النغمة
·        تأخير النبر
·        الأرتفاع التدريجي للصوت بصورة درامية مثيرة
·        الزيادة التدريجية في سرعة العزف
·        الإبطاء المفاجيء
وقد إستخدم شوبان العناصر السابقة وغيرها للتعبير عن مشاعره وروحه الرومانتيكية ..الأشواق..واليأس والانفعالات وللتعبير عن شخصيته الفريدة. فجاءت موسيقاه الخالدة نتيجة لهذا التوافق الذي ظهر فيها بين خصائص شخصيته وتعبيره عن عالمه العاطفي ولعله لم يكن أيضاً من محض الصدفة أن ترتبط ارتباطها بأية آلة موسيقية أخري. فلم يكن مستطاعاً لأية آلة موسيقية أخري كالأورغن أو الآلات الوترية أو آلات النفخ أن تتوافق مع هذه الموسيقا العاطفية الجديدة بمثل الروعة التي تحققت عند استخدام آلة البيانو. كما كان لاستخدام الدواسة تأثير أعظم أهمية فبفضلها أمكن إطالة النغمة وفقاً لرغبة المؤلف.
وقد ساعدت تلك الميزة في آلة البيانو علي إبراز ما في الرومانتيكية من سحر، وإظهار الألوان والأجواء المختلفة.ولهذا فكما رأينا فإن الغالبية العظمي من أعمال شوبان قد كتبت لآلة البيانو المنفردة، وهي مازالت تحتل مكانها في قاعات الموسيقا وحفلاتها حتي اليوم. والجدير بالذكر أن الراقص ومصمم الباليه الروسي ميشيل فوكين (1880-1942) قد وقع إختياره علي أربعة مقطوعات من مؤلفات شوبان لآلة البيانو المنفردة، بعد أن أعاد كتابتها للأوركسترا مؤلف الموسيقا الروسي اليكساندر جلازونوف(1865-1936) تحت عنوان شوبنيانا وقد احتوت تلك المقطوعات علي(بولونيز-ليلية-مازوركا-تارانتيللا)، ثم أضاف إليها ميشيل فوكين رقصة فالس، فأعاد جلازونوف كتابتها للأوركسترا من أجله وصمم باليها علي تلك الموسيقا، قدم لأول مرة في الحادي والعشرين من مارس 1908 علي مسرح مارينسكي بمدينة سانت بطرسبورج تحت عنوان(شوبنيانا) وعرضته فرقة البالية الامبراطوري. فكان ذلك أحد الأعمال الرائدة في مجال الباليهات السيمفونية، التي تقدم بمصاحبة موسيقا لم تكتب أصلاً للباليه. وقام عدد لا يحصي من المؤلفين الموسيقيين بإعادة كتابة هذه  المقطوعات للأوركسترا. وعندما عرض لأول مرة في أوروبا الغربية في الثامن من يونيو 1909 علي مسرح الشاتيليه بباريس وعرضته فرقة الباليه الروسي، أطلق عليه اسم الحوريات. وقد صنف فوكين الفكرة بأنها إحياء للرومانتيكية ويتكون هذا الباليه من موسيقا عدد من الرقصات لا تربط بينها قصة محددة.وتجيء علي النحو التالي:
1.افتتاحية وهي موسيقا المقدمة مصنف (28) رقم (7)
2.ليلية مصنف (33) رقم (2) وتؤدي موسيقاها بسرعة أبطأ من سرعة عزفها علي البيانو المنفرد، ويؤديها مجموعة من الراقصين
3.فالس مصنف (70) رقم (1) وتصاحب هذه الموسيقا رقصة منفردة تؤديها الراقصة الأولي.
4.مازوركا مصنف (33) رقم (2) وتؤديها راقصة منفردة.
5.مازوركا مصنف (67)رقم (3) ويؤديها الراقص الأول.
6.المقدمة: مصنف (28) رقم (7) التي سمعت في البداية كافتتاحية، ولكنها هنا تعاد ثلاث مرات وتؤديها الراقصة الأولي.
7.فالس:مصنف (64) رقم (2) وهي رقصة ثنائية يؤديها الراقص الأول والراقصة الأولي.
8.فالس: مصنف (18) وتصاحب موسيقاه مجموعة من الراقصين تختتم الباليه.
المراجـــع
هوجو لايختنتريت: الموسيقي والحضارة، ترجمة أحمد حمدي محمود، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر، الدار المصرية للتأليف والترجمة،1964.

بقلم / د. زين نصار
من كتاب دراسات موسيقية و كتابات نقدية

شكرا لتعليقك