وقفة مع فيلم The Sunset Limited


هذا فيلم فلسفي وليس للتسليه بالمره ..
الفيلم مأخوذ من مسرحية للعظيم كورماك ماكارثي، ومرسل صورة بديعة له مع تومى لي جونز مخرج ومنتج الفيلم، والفيلم عبارة عن محادثة جدلية، بين رجل ابيض ورجل اسود، فى حجرة واحدة فقط طوال ال 91 دقيقة، ... وهى مدة عرض الفيلم، ويعتمد حوار الفيلم عن أزمة بين فكرة الايمان والإلحاد ..
والحديث طوال الفيلم يناقش عدة محاور فلسفية عميقة وجدلية، ولقد حضرت الفيلم فى ندوة لنادى الفيلم وليس فى دار عرض تجاري، وأنوه من الأول ان الفيلم قد يكون غير مناسبا لمن هو مؤمن بالعقيدة المسيحية أو الإسلامية ... لأنه يناقش وجود الله والمطلقات بشكل عام.
فى أول مشهد ... وهو المشهد الوحيد الذى لا يتغير بالمره ... وداخل حجرة متواضعه الاثاث وفقيرة المحتوى، توجد منضدة فى منتصف الحجرة، وهى جزء من شقة صغيرة يعيش فيها الرجل الاسود .. ويبدأ النقاش حول ضرورة وجود المخلص والخلاص والخلق ..
مبدئياً لقاء الابيض والاسود، لا يوجد تسمية لهما فى الفيلم، جاء غريباً، فلقد إلتقوا حين أنقذ الاسود الابيض من محاولة إنتحار ... فلقد حاول الابيض أن يلقي بنفسه أمام القطار، وبالتحديد امام قطار خط "سان سيت ليميتيد"، وده إسم الفيلم ... وفعلا يوجد قطار يسافر بين مدن وولايات كثيره ويستمر فى رحلته لعده أيام، وهو مشهور جدا عند كل من يريد ان يقوم برحلة برية داخل أمريكا ..
لا أحد يعلم الكثير عن ماضى الرجلان سوي أن الاسود أمضى فترة طوي’ فى السجن لانه قتل شخصاً، ولا نعلم تفاصيل الجريمه بالمره سوى انه تاب وبات ملتصقاً بالانجيل وتعاليمه ..
أما الابيض فلا نعرف سوى أنه بروفيسير، استاذ فى جامعة، ولا نعلم فى أى مجال ... لكننا نشعر أنه أستاذ فلسفة خاصة لا ستعماله المصطلحات الفلسفية التخصصية، والمحادثة متعارضة تماما فى الرأي والاتجاهات الفكرية ... الاسود مؤمن تماما وبدون نقاش وشك فى وجود الله وفى تعاليم الانجيل ... وإنه أحسن كتاب فى العالم وفيه الحل لأى مشكلة كانت أو ستكون ... وهو مؤمن بأن الله أرسله لإنقاذ الابيض.
وحتى أثناء المحادثه يسأله الابيض: لقد تلفت كثيرا حولي وتأكدت بأنه لا يوجد أى إنسان على رصيف المحطه، أقسم لك إننى لم أراك ؟ أين كنت وكيف ظهرت ؟ إنه أمر محير ... لكن لا تقل لي إنك الملاك الحارس، انا لا أعترف بملائكة وشياطين وما شابه ذلك.
ويدافع الاسود عن الروحانيات وعن الانجيل ويقول له بحماس: هذا الكتاب أحسن كتاب فى العالم، وأغلب الاغلفه تحمل نفس اللقب ... بأنه أحسن كتاب فى العالم ... وتوجد فيه كل الاجابات لحيارى النفوس والضائعين.
يسخر منه الابيض لكن بدون إهانة بل بجدل فلسفى ويقول : يوجد مليون طريقة للضياع ولفساد العالم فى مختلف الامور، وانت تقول الحل واحد وهو الله! من يصدق هذا، ربما القليلون فقط ..
الاحاديث تستمر ... وكلما يحاول الابيض ان يترك شقة الاسود، يرجوه الآخير أن يمضى فترة أخرى ... وهنا يتضح إن الاسود يخاف من أن يحاول  الابيض الانتحار مرة خرى ... ويستمر الجدل الفلسفي والتأملات، والتى يرى الابيض من خلالها أراء الاسود فى منتهى السطحية، لكنه لا يهينه.
يتطرق الحديث الى فقدان الاشياء لأصولها و قيمتها، والى درجة التعايش التى تحتضر وفكرة الاخلاص فى الوجود مع الافكار ... فهناك زيف فكرى وتزييف للماهيات وتحوير للأديان والاحاديث الدينية والسياسية.
الحديث فلسفي جدا وبدون أدنى شك، وسيجد الكثير من الناطقين للغة الانجليزيه كلغه ثانيه صعوبة فى الفهم ... فهى أيضا مسرحية كتبت بفلسفة تصوريه وليست وصفية، وقد تلامس الكاتب ماكورماك لفكر كافكا ... فالفكر الوجودي واضح، لكنه لا يحارب حريات العقيدة، بل يعرض الفكر والفكر الاخر فالغرب ليست به ثوابت فقط والمتحولات كثيره.
القصه لا تسير فى منوال الاسود المؤمن والمنقذ للأبيض ... ففي النصف الاول من الفيلم كان صامويل ل جاكسون، الاكثر تحدثا وحماسا، اما تومى لي جونز فقد كان المنصت والمتشكك فى كل الصغائر ... ولكن مع مرور فترة من الزمن، وبعد أن يقوم الاسود بإكرام ضيفه وتقديم فنجاناً من القهوة وبعضاً من الحساء الساخن ... تبدأ الفترة الثانية من المحادثة، هذه الفترة هى مرحلة النقد الفلسفي العبثي للأبيض، وبدون صياح وحنجوريه يحلل الابيض ويفتت كل الثوابت الفكرية والخراسانية للأسود ..
إنها مباراة فكرية رائعة، وتجعل الاسود يسقط فى الحيرة ... فالابيض يخبره ان الانسان صنع الالهه وصنع ايديولوجياته وتخلى عنها، والبعض إلتصق بها ... فالانسان، فى رأيه، هو الصانع للأفكار الرديئة والجيدة.
ويترك الابيض الاسود ويرحل ... ولا أحد يدري ماذا حدث ولماذا ؟ وأين سيذهب الابيض ..
فقط نعرف انه قال انه مؤمن بـ "سان سيت ليمتيد" ... فهل سيعاود الانتحار ؟؟؟
إن النهايه تساؤلية، وكتبت لتثير خيال القارئ او المشاهد ..

شكرا لتعليقك