هولي موتورز (Holy Motors، 2012 ) فيلم للمخرج ليوس كاراكس Leos Carax. يعبر الفيلم عن فلسفات وفروق دقيقة متعددة، ولكنه يمثل في نصه عدد كبير من الأفكار التي ناقشها دريدا في مجمل أعماله. يعتمد الفيلم الصمت كنمط إخراجي مقابل بضعة سطور مليئة بالفلسفة، والحكمة في مشاهد متناثرة. يظهر كاراكس في باريس بمشاهد مختلفة ليلا ونهارا وبجمالية تصل للبشر. الفيلم يبدو معقدا للوهلة الأولى من خلال الشخصية الأساسية لرجل يحمل إسم السيد أوسكار، الذي يعيش عدة أدوار في جدول زمني يحدد له ما يفعله، ومن يكون وكأنه يغير في الكون أمورا بمرافقة سائقته الخاصة سيلين. هذه الأدوار تمثل حياة وشخصيات أشخاص مختلفين يعيشون لحظاتهم بدءا من أول مشهد بالفيلم، إذ يبدو وكأنه رجل ثري مصرفي يدير أعمالا كثيرة، حتى ينتقل للعب دور متسول وتارة قاتل، وحتى دور أب مفجوع ورجل مسن ومتسول مخيف منحرف.
وفي كل دور يلعبه اوسكار الذي يؤدي دوره الممثل دينيس لافانت يعيش الحالة الإنسانية المجردة، وكأنه يقول لنا نحن قادرون على أن نكون أيا كان، ونعيش كل المشاعر بتجرد، وأيضا التخلص منها بنفس الوضعية التي تكشف أسرار النفس.وما أن تنتهي الرحلة لأوسكار حتى تعود سيارة الليموزين لكراجها كما السيارات الأخرى المشابهة لها، ويعود اوسكار لمنزل مختلف كل ليلة في لحظة محورية، وهي معرفة أين ينتمي كل فرد فينا، وهل يسكن الليل داخلنا.
تحليل كاراكس لتطويع الهوية وتوظيفها عبر سياقات واضح في فهم دريدا للهوية ليس ك "كبسولة" من الذاتية الأنانية (وهذا يعني أن الذات موجودة خارج السياق أو خارج قوانينه الاجتماعية)، ولكن بدلا من ذلك ، فإنه يتم تشكيلها بالعمليات الخارجية وعلاقات الناس بعضهم البعض. كتب دريدا في (هبة الموت The Gift of Death) ما يلي:
"سؤال الذات : من أنا ، ليس بمعنى من أنا، بل من هو هذا الذي يمكنني أن أقول من هو ؟ ما هو ال- أنا (I ) وما ستكون مسئوليته عندما ترتجف هوية (أنا)في السر؟ "
بهذا المعنى، فإن دريدا يربط الذات أو "من هو " التي تحدد بتعبير "أنا" مع "أنا" التي تحددها الخبرات الخارجية. يتناول المخرج هذه القضية من خلال تصوير الشخصية الرئيسية السيد أوسكار بشبه ممثل يأخذ الأدوار المختلفة استنادا إلى السياق الذي يوضع فيه. لأجل ذلك ، يسمح لنا المخرج باختبار الوجود المتعدد الأوجه للسيد أوسكار، وبعد ذلك يسمح لأوسكار باختبار نفسه من حيث علاقتنا به (أو ربما علاقة زملائه الممثلين به ). ويمثل هذا اعتراف من كاراكس بفكرة دريدا:
"نحن مكرسون للعزلة المطلقة. لا يمكن لأحد أن يتكلم معنا ولا أحد يستطيع أن يتحدث نيابة عنا . يجب علينا أن نأخذ هذه المسئولية على عاتقنا ، كل واحد منا يجب أن يأخذ الأمر على عاتقه ".
ومع ذلك، يعترف كاراكس أيضا أنه بالتأمل الذاتي والتكامل مع خبرتنا الخارجية، نحن قادرون على صياغة شعور بالانسجام الذاتي، ولكن في النهاية لا يمكن فهم "الآخر" من دون القدرة على التعبير عن أعمق حقائقنا ومخاوفنا (ربما أفضل تجسيد لذلك هو في نهاية الفيلم حيث تبدأ سيارات ليموزين التحدث إلى بعضها البعض وتبادل مخاوفها وأحلامها).
أماني أبو رحمة .
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء