يختلف المسرح السعودي عن كل مسارح العالم في غياب العنصر النسائي الممنوع -حسب التقاليد السعودية- من الاختلاط بالرجل خاصة على خشبة المسرح، وهذا ما جعل من هذا المسرح ذكوريا في شكله وحتى في قضاياه التي يطرحها، تغيب المرأة عنه حضوراً كمشاهدة، وحضوراً على الخشبة كممثلة، وحضوراً كقضية. ولكن هذا المنع لم يوقف هاجس العمل المسرحي عند بعض المهتمات بالمسرح، خاصة من اللائي جئن من بوابة التلفزيون حيث لا منع هناك، فاخترن أن يخضن تجربة المسرح النسائي والذي تقدم فيه الممثلة المرأة عرضا مسرحيا لجمهور نسائي، يطرح قضايا نسائية، وبإخراج نسائي –غالباً- بعيدا عن عيون الرجل، في شكل من أشكال التعويض عن هذا الغياب القسري.
هذا المسرح الذي اختص به المسرح السعودي، لا يندرج ضمن ما عرف في أوربا بالمسرح النسائيWomen theatre، ولا ما عرف بالمسرح النسوي Feminist theatre والذي ظهر في أوربا بدايات السبعينيات وأثار آنذاك جدلاً بين القبول والرفض، فالمسرح النسائي كما شرحه الناقد العراقي عواد علي بأنه “يشير إلى النشاط المسرحي الذي تقوم به فرق مسرحية تديرها نساء، حتى و إن كان جمهورها خليطا من الجنسين، وتغلب على إنتاجاتها العروض التي تؤلفها و تخرجها كاتبات ومخرجات متمرسات، ويستند هذا التحديد إلى منهج تلك الفرق المسرحية في العمل والإدارة، أي إلى ما يحدث وراء خشبة المسرح، لا إلى ما يقدم عليها”، والمسرح النسوي “يشير إلى التجارب المسرحية التي تحمل وجهات نظر نسائية بحتة، أو تنطلق من النظرية النسوية – أو مبادئ الحركة النسائية المنظمة التي تسعى إلى نصرة المرأة في جميع المجالات – و تشكل محاولات لتحدي التقاليد المسرحية الذكورية التي تسعى إلى قولبة صورة المرأة، وتعكس الأبنية الاجتماعية التي تحصرها في الأدوار الثانوية والتابعة”1، والمصطلحان لا ينطبقان على تلك التجارب المسرحية النسائية التي بدأت تروج في السعودية، بعد القدر الضئيل من التسامح الإجتماعي الذي فسح للمرأة أن تقدم مسرحها الخاص وإن كان يقدم فقط لجمهور من النساء، مسرح للنساء، من النساء إلى النساء.
بدايات المسرح النسائي
كانت الجامعات والمدارس مكانا لاحتضان الاشتغالات المسرحية النسائية، خاصة وأن الجامعات والمدارس السعودية جامعات غير مختلطة، حيث اقتصرت على المسرحيات التوعوية والمدرسية والدينية في بعض المناسبات. وتؤرخ بعض المقالات والأبحاث المسرحية للمسرح النسائي بمسرحية (مونوكوليا) تأليف إبراهيم الحمدان وإخراج سمعان العاني 2 في الثمانينيات الميلادية، ولكن ثمة من يؤرخ للمسرح النسائي بمسرحية (وأخيرا عادو) 2005، من تأليف نورا العبد الله وإخراج ميرفت المنصوري التي أدت إحدى شخصيات المسرحية، إضافة للممثلات: أغادير السعيد، أمل حسين، نادين حلواني وشيرين حطاب، كونها أول مسرحية تحصل على ترخيص عرض لمسرحية نسائية من قبل وزارة الثقافة والإعلام، وهي المسرحية الأولى أيضاً التي تخرج من إطار الجامعة والمدارس إلى احتفالية عامة كاحتفالية العيد التي تنظمها أمانة مدينة الرياض سنوياً التي غامرت في الخوض في هذه التجربة المسرحية رغم حساسيتها.
بعد نجاح هذه المسرحية جماهيرياً، فتحت الأمانة الباب للمشاركات النسائية لدرجة أنه لا تخلو سنة منذ 2005 وحتى الآن من عرض أو أكثر من هذه العروض النسائية التي أوجدت فسحة ترفيهية للمرأة لتحضر عرضاً مسرحياً وتتفاعل بشكل مباشر مع ممثلات معروفات تلفزيونياً، وهذا ما سعت له الأمانة لجذب الجمهور لمسرحياتها من خلال تواجد نجمات التلفزيون، إذ وضعت شرطاً في البداية على كل المسرحيات بأن تشارك فيه ممثلة من ممثلات التلفزيون المعروفات محلياً وخليجياً وحتى عربيا، سعياً منها لتكريس هذا النوع من المسرح وتعويد الجمهور من النساء لحضوره، ومن هذه المسرحيات التي استفادت جماهيرياً من هذا الشرط:
مسرحية (الهامورة) التي شاركت فيها ميساء مغربي، ليلى السلمان، بثينة الرئيسي وهبة حلواني.
مسرحية (بيتنا في خطر) وشاركت فيها شيخة الزويد، وجنات رهبيني، نادية حلواني وسارا الجابر.
مسرحية (بنات فاطمة) لميساء مغربي، عبير أحمد، نادية كرم، أغادير السعيد، وفرقة مسك الكويتية.
مسرحية (هالة وهلالة) التي شاركت فيها شيخة الزويد، ليلى السلمان، هند محمد وسارا الجابر.
مسرحية (صرقعة قرقعة) التي شاركت فيها أمينة القفاص، في الشرقاوي، وسارا الجابر.
وغيرها من المسرحيات التي حركت ساكن المسرح النسائي، وفتحت الباب لجيل من الممثلات السعوديات والعربيات المقيمات في السعودية لخوض تجربة المسرح، بعد أن حكراً على الرجل.
وقد تناولت بعض المسرحيات قضايا حساسة والمسكوت عنها مما لا يُرغب للمسرح في تناولها، ولكنها وجدت طريقها إلى الخشبة في تجاوزٍ للممنوع الاجتماعي، فحين تناولت مسرحية (مسيار كووم) تأليف وإخراج أمل حسين في نسختها التي شاركت الممثلتان البحرينية أمينة القفاص والكويتية منى شداد، موضوع زواج المسيار الذي كان رائجاً في المجتمع السعودي وآثاره الاجتماعية في الاضرار بحالة الاستقرار الاجتماعي، أثارت جدلاً بين رفض لطرح المسرحية وتأييد، وصل لصفحات الجرائد عدا عن النقاشات الشفهية بين النساء اللاتي تلمسن مشكلة هذا الزواج الطارئ، يذكر أن هذه المسرحية الأولى التي تخرج من فعالية أمانة الرياض زماناً ومكاناً، حيث عرضت أولا في مسرح المستشفى الألماني ثم عرضت على مسرح الغرفة التجارية بمدينة نجران-جنوب السعودية، وبتغيير في طاقم المسرحية.
لم تكن الرياض وحدها المدينة التي احتضنت ورعت المسرحيات النسائية، بل تشجعت مدن سعودية أخرى لدعم وتقديم عروض مسرحية نسائية في المناسبات الموسمية. ما حفز الجهات الرسمية التي كانت تنأى بنفسها عن دعم التجارب النسائية إلى تأسيس فرق مسرحية كما حدث في فرع جمعية الثقافة والفنون بأبها في تأسيسه لفرقة (وشل) المسرحية النسائية، وفي فرع جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، حيث تأسست فرقة مسرحية رسمية تشكلت من المشاركات في دورة إعداد الممثل التي قدمتها الممثلة البحرينية لمياء الشويخ، وتشرف على هذه الفرقة وعلى النشاطات النسائية بالجمعية المخرجة إيمان الطويل التي أخرجت لفرع الجمعية مسرحية (بلاد الأحلام) وحازت بها على عدد من جوائز ملتقى مسرح الطفل السادس منها جائزة الإخراج.
كما نظم فرع الجمعية بالدمام لورشة إعداد ممثل أشرفت عليها المدربة البحرينية كلثوم أمين، وأدت فيها المتدربات مشاهد مسرحية اعتمدت على تمارين الخيال والارتجال، كما تلقين تمارين الوقوف والدخول والخروج، وبحث نقاط القوة والضعف في فضاء المسرح على الأداء والحركة الإبداعية وعلى نظرة الجمهور.
وتحتفظ هذه المسرحيات النسائية بخصوصية موضوعاتها التي تتناولها، إذ بعض هذه الموضوعات عن المسرحيات الرجالية، عن مسرحيات ما يمكن تسميته بالمسرح النوعي أو المسرح الاجتماعي الكوميدي الذي ينشط في المناسبات، فقد طرقت موضوعات الأسواق النسائية، عمل المرأة، غلاء المهور، زواج السعوديين من خارج السعودية، الإعاقة، توظيف المدرسات في مناطق نائية، تعدد الزوجات، قيادة المرأة للسيارة .. وغيرها من الموضوعات التي لا تبدو من شواغل المسرح الرجالي، ولا تعنيه كثيراً. وتبدو أنها موضوعات تمس المرأة بالدرجة الأولى وتمس وضعها المفترض في المجتمع السعودي التي تناضل من أجله ومن أجل الحصول على حقوقها، وهذا ما يجعل لبعض هذه العروض ملمحاً نسوياً وليس نسائياً جندرياً فقط.
هذا في الجانب الرسمي، ولكن ثمة مسرحيات تقدم في إطار المناسبات الدينية، حيث نشطت مجموعة من المؤمنات بأهمية المسرح في تقديم رسائل وعظية مبتغاة، لتنفيذ مسرحيات طابعها ديني، تتناول قضايا تاريخية وعقائدية، وجدت المناسبات الدينية فرصة سانحة لتقديمها ضمنها، وتشترك مع المسرحيات الرسمية كونها عروض مسرحية تخرجها، تمثل فيها وتشاهدها النساء، وتختلف عنها كونها لا تتناول قضايا المرأة، ولا تغيب الرجل عنها، ولكنها تتعامل مع الشخصيات النسائية كما تعامل المسرح الرجالي في بداياته المبكرة، حيث تقدم المرأة نفسها الشخصيات الرجالية كما قدم الرجل الشخصيات النسائية.
وتبدو مشكلة هذه العروض أنها تدور في دائرة دينية مغلقة، وتجد الغاية منها الرسالة الوعظية، أو التوعية الأخلاقية، بعيداً عن التركيز على البعد الجمالي والفني، فمن خلال النصوص –التي اطلعت على بعضها شخصياً- تجد أن الرسالة تطغى على أي عنصر آخر، لأن الكاتب أو الكاتبة والمشتغلات في العرض لا يصنفن كمسرحيات، بل هن مؤمنات واعظات متدينات، يعملن لأجل هذه الرسالة ليس إلا ووجدوا أن المسرح منصة جيدة لإطلاق رسائلهن.
إشكاليات المسرح المسائي
مع النشاط المتزايد للمسرح النسائي في السعودية، لا بد من مساءلة هذه التجربة، فثمة إشكاليات تواجهه وتقلل من فرص تطوره ونضجه ليشكل ظاهرة واعية قادرة على التوازي في الإمكانات والعمق مع المسرح الرجالي الذي تجاوز السكون وبدأ يلفت الأنظار في المهرجانات العربية، وبعض المهرجانات العالمية. ومن هذه الاشكاليات:
مستوى النصوص المسرحية، أو التعامل مع النصوص، فرغم دخول عدد من كتاب المسرح المتمرسين في عالم المسرح النسائي والكتابة له، رغم خصوصية هذه الكتابة وصعوبتها نوعاً ما، إلا أنه لا زال كثير من المنتجين يلجؤون لنصوص مسرحية كوميدية شرطاً دون النظر إلى المحتوى الفكري والفني لهذا النص، فإذا كان النص قابلاً للتحوير والزيادة فهو هدف المنتجين لتقديم مسرحيات كوميدية تعتمد على الأفيهات والإرتجالات دون مبررات درامية، وهذا ما يمكن قراءته من خلال التغطيات الصحفية الشحيحة لهذه العروض، والتي تنبئ عن إحباط من سطحية بعض العروض على مستوى الأداء والإخراج المسرحي، حيث تساءلت سحر الرملاوي في مقالتها (المسرح النسائي.. نظرة من قريب) فيما يخص النصوص المقدمة “اذا كنا نقبل بالركاكة والتكلف والمباشرة وإغراق النص بالمقطوعات الغنائية التي تفتح نفس الجمهور للمشاركة في الغناء والتصفيق في السنة الاولى والثانية والثالثة فما الذي يجعلنا نقبل هذه الركاكة في السنوات اللاحقة، ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار النصوص؟”3، ولكن هذا التساؤل يبدو في غير محله إذا علمنا أن ثمة لجنة من مسرحيين سعوديين لهم تاريخهم هي من تختار النصوص المقدمة، ولكن المشكلة في التعامل مع هذه النصوص، وتحويلها إلى عرض مغرق في الكوميديا والارتجاليات غير الموظفة. خاصة وأن من يتعاملن مع هذه النصوص أكثرهن لا يملكن خبرة ودربة مسرحية للتعامل مع النصوص المسرحية بجدية وتحويلها من صيغتها المكتوبة إلى الخشبة دون اللجوء للتهريج كوسيلة للوصول للجمهور.
مستوى النصوص المسرحية، أو التعامل مع النصوص، فرغم دخول عدد من كتاب المسرح المتمرسين في عالم المسرح النسائي والكتابة له، رغم خصوصية هذه الكتابة وصعوبتها نوعاً ما، إلا أنه لا زال كثير من المنتجين يلجؤون لنصوص مسرحية كوميدية شرطاً دون النظر إلى المحتوى الفكري والفني لهذا النص، فإذا كان النص قابلاً للتحوير والزيادة فهو هدف المنتجين لتقديم مسرحيات كوميدية تعتمد على الأفيهات والإرتجالات دون مبررات درامية، وهذا ما يمكن قراءته من خلال التغطيات الصحفية الشحيحة لهذه العروض، والتي تنبئ عن إحباط من سطحية بعض العروض على مستوى الأداء والإخراج المسرحي، حيث تساءلت سحر الرملاوي في مقالتها (المسرح النسائي.. نظرة من قريب) فيما يخص النصوص المقدمة “اذا كنا نقبل بالركاكة والتكلف والمباشرة وإغراق النص بالمقطوعات الغنائية التي تفتح نفس الجمهور للمشاركة في الغناء والتصفيق في السنة الاولى والثانية والثالثة فما الذي يجعلنا نقبل هذه الركاكة في السنوات اللاحقة، ما هي المعايير التي يتم على أساسها اختيار النصوص؟”3، ولكن هذا التساؤل يبدو في غير محله إذا علمنا أن ثمة لجنة من مسرحيين سعوديين لهم تاريخهم هي من تختار النصوص المقدمة، ولكن المشكلة في التعامل مع هذه النصوص، وتحويلها إلى عرض مغرق في الكوميديا والارتجاليات غير الموظفة. خاصة وأن من يتعاملن مع هذه النصوص أكثرهن لا يملكن خبرة ودربة مسرحية للتعامل مع النصوص المسرحية بجدية وتحويلها من صيغتها المكتوبة إلى الخشبة دون اللجوء للتهريج كوسيلة للوصول للجمهور.
غياب النقد الموازي، فهذه المسرحيات لا تخضع لمنظار النقد والتحليل وإن بشقه الانطباعي، فغياب الأسماء النقدية النسائية يغيب القراءات النقدية التقييمية والتقويمية لهذه المسرحيات، فلا تحضر في المسرح السعودي أسماء لناقدات مسرحيات، ولا تحضر سوى صحفيات غير متخصصات حتى بالثقافة ناهيك عن المسرح. لا يمكن تتبع ما يقدم في المسرح النسائي سوى عبر ما تنشره الصحف من تغطيات، أو ما تكتبه المنتديات –مع شحها- عن هذه المسرحيات. ولأن الحضور مقتصر على المرأة فإن المنشغلين بالنقد المسرحي في السعودية بعيدون تماماً عن هذه التجارب، وبعيدون عن مطاولتها بالنقد. ولا يتاح للنقاد –من الرجال- الكتابة النقدية عن هذه العروض إلا من خلال النص وهو العنصر المتوفر، ولكنه العنصر النظري، الصيغة الأدبية للمسرحية، فلا يمكن تطبيق معايير النقد المسرحي على النص وحده، فالنقد المسرحي يعد “من أصعب الممارسات النقدية باعتباره نقدا مركبا تتداخل فيه عناصر اللساني والسيميائي والصوتي تداخلا تاما وشاملا. وهذه العناصر تندمج في مجموعتين: الأولى هي النص وتضم اللساني والثانية هي الفرجة وتضم السيميائي والصوتي” 4، ولا يقتصر على النص فقط، فالنقد يضيء على جوانب الضعف والقوة، يلج عميقاً في العرض ليفككه ويعيد تركيبه في صيغة نص نقدي يقيم كاملا العملية المسرحية، وطبعاً هذا ما يفتقده المسرح النسائي بالمملكة بسبب الظرف الاجتماعي الذي يمنع الرجل من الحضور.
بالمناسبة، حتى كتاب المسرحيات من الرجال ممنوعون من مشاهدة مسرحياتهم، فعلى المستوى الشخصي، كتبت للمسرح النسائي نصين، لم يتسن ولن يتسنى لي مشاهدتها أبداً.
حرمان هذه التجارب من التوثيق الذي يقوم به في الوقت الحاضر بعض الباحثين المسرحيين السعوديين والعرب ممن آمنوا بأهمية التوثيق في وضع المسرح السعودي في مساره الصحيح، فالمسرحيات النسائية لا تشاهد من قبل الباحثين، لا تصور تلفزيونياً ولا فوتوغرافياً على الأغلب، ولا يمكن معرفة مستوى العرض ومستوى الحضور، وتقبل الجمهور لهذه المسرحيات، وليس بمقدور الباحثين سوى توثيق عنوان المسرحية، وأسماء الطاقم من إخراج وكتابة وغيرها مما يكتب في بروشور المسرحية أو في موقع أمانة الرياض الحاضنة والراعية لأكثر هذه المسرحيات، ولمحة مقتضبة عن المسرحية، وهذا لا يكفي لاكتمال عملية التوثيق المسرحي الذي يمكن أن يستعين به النقاد والباحثين لاحقاً لقراءة المسرح السعودي، والمسرح النسائي شكل مهم من أشكاله.
المسرحيات النسائية لا تعدو كونها مسرحيات مناسبات، تعرض ليومين أو أكثر في مناسبة عيد، وتضيع بعدها في الذاكرة، فعدد العروض لا يمكن التأسيس عليها لتقويم التجربة وتطويرها، فلا يوجد جهة تعتني بالمسرح النسائي بقدر عناية أمانة مدينة الرياض، ولكنها تحصر هذه العناية في مناسبات الأعياد أو الإجازات الرسمية، وتنتهي علاقتها بالمسرحيات بمجرد انتهاء المناسبة. هذه المسرحيات تحتاج لأن تدور مدناً سعودية وتقدم عروضاً أكثر خارج المناسبات، ليشتد عود المشتغلات في المسرح ويضعهن أمام اختبارات حقيقية لإمكاناتهن وقدرتهن على العمل المسرحي المتواصل. ومن جهة أخرى ليتكرس هذا الفن وتعمم تجربته في كل مدن المملكة الشاسعة.
غياب التدريب المسرحي، فالممثلات والمخرجات اللاتي يعملن في المسرح النسائي جئن أكثرهن من التلفزيون إلى المسرح، وهذا يختلف عن الوضع في المسرح الرجالي، فالمسرح هو الأول، وهو المعلم الذي يستفيد التلفزيون من دروسه في الأداء، فالأداء التلفزيوني يختلف كثيراً عن الأداء المسرحي، الذي يعتمد على كل طاقة الجسد وممكناته، وعلى الصوت وتشكلاته، وهذا ما يجعل أداء ممثلات المسرح –كما ينقل صحافياً- يميل لأداء تلفزيوني لا يتناسب وطبيعة المسرح، ولا يمكن أن تؤدي الممثلات أداءً مسرحياً إلا بالتدريب والانخراط في ورش مسرحية والمرور نظرياً وتطبيقياً بمدارس الأداء التمثيلي لرواد المسرح، من ستانسلافسكي، مايرهولد إلى بريخت، وإلى مدارس الأداء الحديث.
تجربة المسرح النسائي في السعودية أطلقتها الحاجة، حاجة المرأة للمسرح، حاجتها لفن تعبيري تلجأ إليه لطرح مشكلاتها، ولطرح قضاياها في مجتمع يضعها في الهامش رغم نضالها المستمر للخروج إلى المتن، ومع المحاولات لتكريس هذه التجربة واقتناص الاعتراف بها كمسرح له خصوصيته التي فرضتها طبيعة المجتمع المتزمت، إلا أن هذا المسرح يواجه رفضاً يضاف لرفض جمهور عريض من الناس الذي وجد فيه خروجاً عن سوية المجتمع المحافظ، فعدد من المسرحيين السعوديين من كتاب ومسرحيين سجلوا اعتراضهم على هذا المسرح وتجاربه، كونه يكرس لمبدأ الفصل بين الجنسين في المسرح، ويضيع فرص المطالبة بحضور المرأة على الخشبة بمعية الرجل، فأصحاب القرار قد يجدون في هذا المسرح حلاً ناجزاً لمثل هذه المشكلة التي طالب ولم يتوقف المسرحيون عن المطالبة بحلها. قد يكون مبدأ اعتراضهم صحيحاً إذا افترضنا أن ثمة أمل في تغيير النظرة تجاه الفن والمرأة، ولكن لا بوادر تشي بقرب السماح للمرأة بمشاركة الرجل في العرض المسرحي، وحتى ذلك الحين لا بد أن يبقى المسرح النسائي موجوداً ونشطاً لتأسيس أجيال مسرحية واعية، ولن يتأتى هذا سوى بالاهتمام بهذا المسرح بتقييمه تقييماً صحيحاً باستضافة ناقدات عربيات، وإقامة ورش تعنى بكل عناصر المسرح، من تمثيل، إخراج، سينوغرافيا، كتابة نص.. وحتى ورش تعني بالنقد وقراءة العروض.
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء