the big short تقديم

من لديه فكرة عن أزمة القروض العقارية أو ما تسمى بأزمة الرهن العقاري " subprime mortgage crisis " التي تسببت في كساد عالمي وإنتشرت كالوبال على العالم بأكمله ؟ القصة طويلة لا يمكن إختصارها ولعسر قراءتي في هذا المجال فقط الخبراء وحدهم تخول لهم معرفتهم عدم الوقوع في حرج الجهل .. الجميل في الامر أن جهابذة علم الإقتصاد كانت لديهم فكرة لما سيحصل قبل مدة زمنية كبيرة لإستطاعتهم قراءة الواقع وكثير منهم حاول إغتنام الفرصة للكسب لكن هذه سباحة عكس التيّار إما أن تكون خيرا أو وبالاً .. 
فيلم The Big Short قصة حقيقية متعلقة بشارع وول سيتريت وتلك البنايات الشاهقة كتبها Michael Lewis سنة 2010 وإحتلت آنذاك المرتب 28 من قائمة الكتب الأكثر مبيعا حسب The New York Times وجعل منها Adam McKay و Charles Randolph نصًا سيمائيا رائعا وأخرجها Adam McKay " مخرج سلسلة الأفلام الكوميدية مع الممثل Will Ferrell كـ Anchorman ... " 

تدور أحداث الفيلم حول عالم الأموال " البورصة " فقط إذ لا وجود للعلاقات العاطفية ، وهذا عكس ما رأينا في فيلم The Wolf of Wall Street لأن الفترة التي كتب فيها Jordan Belfort قصته كانت فترة سيولة " بداية 2007 " . المهم في الأمر الأحداث سريعة جدا لدرجة تعسر الفهم كما أنها مشحونة بالمفردات والنظريات الإقتصادية التي تحيلك مباشرة إلى الإكتشاف الذاتي .

يحاول المخرج الساخر آدم ماكاي Adam McKay من خلال عمله الجديد "البيع المكشوف الكبير" أو The Big Short أن يحدثنا عن أكبر الكوارث التي تسببت فيها هذه العمليات المالية، ونعني الأزمة المالية التي ضربت أمريكا والعالم من بعدها بداية من 2007، ولقد استطاع الرجل من خلال الاعتماد على كتاب مايكل لويس (ذي العنوان نفسه) ومجموعة متميزة من الممثلين أن يشرح لنا أصول الأزمة وتداعياتها بطريقة مبتكرة جدًا.

من الصعب الحديث عن جنس فني لهذا الفيلم، فهو يجمع بين السيرة، الدراما، السخرية السوداء، التأريخ، والعمل الوثائقي التعليمي، يمكن أن نقول إننا إزاء ميلودراما وثائقية؛ فأحداث الرواية حقيقية في أغلب تفاصيلها وشخصياتها وجدت في الواقع وإن كانت بأسماء مختلفة أحيانًا، ولقد دعمت عشرات المشاهد التاريخية المقحمة هنا وهناك داخل الفيلم، والتقديمات الكتابية لمختلف الشخصيات والمباني والبنوك، من الطابع التوثيقي للفيلم، أما ما جعله أقرب إلى الدراما من الوثائقي، فهو أساسًا إضافة عمق درامي للشخصيات الرئيسية؛ ففي الفيلم لا تتوقف معرفتنا عن هذه الشخصيات على تفاعلها مع الأزمة المالية بل تتجاوز ذلك إلى ماضي الشخصية أو مشاكلها النفسية أو الاجتماعية أو مواقفها السياسية والفلسفية، وهو عمق لم يبنه ماكاي عبثًا كما سأبين فيما بعد، كما يظهر الطابع الدرامي في سمة الراوي غير الموثوق بروايته، أو الراوي اللاموضوعي، وهو راو مشارك في الأحداث، ويعتبر من شخصيات الفيلم، ولقد قام بدوره الممثل المتميز ريان غوسلينغ.

وبما أن الأحداث معقدة نوعا ما فإن طاقم التمثيل كان له دور في تبسيطها وقد وفّق ماكاي في إختيار هذه النخبة : 
دور Mark Baum والذي أداه Steve Carell شخصية جدية تتحكم بها بعض المبدائ المثالية والخلفيات الإجتماعية له موقف معادي للأنظمة البنكية التي يعتبرها ناهبة.. ودور Jared Vennett والذي أداه Ryan Gosling وهو الذي أخبرنا عن Michael Burry والذي أدى دوره " Christian Bale " الذي تمكن من شمّ رائحة عدم تمكن المواطنين من دفع أقساط شراء المنازل وهذا كان سببا في إندلاع أزمة الرهن . فينيت أراد أيضا الإستفادة من ما توقعه باري .. هاتان الشخصيتان قاما بإحتواء بعض الشخصيات الفرعية الذين أدّوا المشاهد التراجيدية والساخرة .. 
القسم الآخر ويمكن إعتبارهم أثرياء الحرب ، وإضافتهم كانت ضربا من ضروب السخرية العملية .. شابان تظهر في أعينهما الكفاءة النظرية لكن الجانب العملي يستحيل في شارع وول ستريت فالحل الوحيد هو الإتصال بـ " Ben Rickert " والذي أدى دوره " Brad Pitt " أحد جهابذة الإقتصاد المتقاعدين ليتمكنا من تطبيق فكرة الدكتور باري .
حمل الفيلم في طياته كثيرا من الأقوال المأثورة التي ساهمت في الإنتقال من عنصر لعنصر كما حمل رسائل إنسانية عن طريق شخصيتي Mark Baum و Ben Rickert والذي كان يحاول تخفيف هذه الأزمة لصالح الناس الذين سيفقدون منازلهم .

أسلوب التصوير أكثر من رائع ماكاي إخترق الحائط الرابع عشرات المرّات في الفيلم لتوضيح بعض الأشياء حتى أنه مكّن لبعض الغرباء عن الفيلم القيام بهذه المهمة كالطباخ ولاعبي البوكر و Margot Elise Robbie والجمهور ... Annie Hall جديد 
الفيلم حاز على جائزة أفضل سيناريو من جملة 5 ترشيحات في مهرجان BAFTA و 4 ترشيحات لجوائز Golden Globes و فاز بأوسكار أفضل سيناريو مقتبس من جملة أربع ترشيحات ....


شكرا لتعليقك