يبين انجلز، (منطلقاً من كون كل معرفة واقعية مكتملة، انما تقوم فقط في اننا ننتقل من المفرد الى الخاص، ومن الخاص الى العام) ان الدرجات المتعاقبة لحركة نمو المعرفة تنعكس في الانتقالات المتعاقبة: من الحكم المفرد الى الحكم الخاص، ومن الحكم الخاص الى الحكم العام. لقد سمح تصنيف الأحكام الأكثقر عادية، التي يعمل المنطق الشكلي على اساسها، مثلاً: الحكم (الوردة هي حمراء)، (جميع الناس ميتون)، الخ... ان توزيعها الى زمر تجيء مطابقة لحالات المفرد، والخاص، والعام، قد سمح لانجلز باكتشاف الوشائج العضوية الموجودة بين اصناف الأحكام وعرضها من وجهة نظر نمو المعرفة البشرية. يوضح انجلز هذه القضية متخذاً مثالاً من تاريخ اكتشاف تحول الطاقة. وثمة مثال يعادله في جودته يقدمه لنا اكتشاف مندلييف لقانون الدورية. يبين هذان المثالان ان المنطق الدياليكتيكي هو: تعميم الانسان تعميماً واقعياً لتاريخ الفكر والعلم ومعرفة العالم الموضوعي.
والفكرة القائلة بأن الحقيقة هي حركة تطور، تجد تعبيراً عنها في قضية المنطق الدياليكتيكي التي تؤكد أن المعرفة تذهب من الظاهرة الى الجوهر ومن الجوهر الأقل عمقاً الى الجوهر الأعمق، كأن المعرفة تتغلغل الى اعماق الأشياء ذاتها، وتجتاز على ذها النحو سلسلة من الدرجات. ان السير الدياليكتيكي للمعرفة هو، في نظر فلاديمير لينين: (حركة تعميق، لا انتهاء لها، يقوم بها الانسان لمعرفة الأشياء والظاهرات، وحركات التطور الخ... حركة تذهب من الظاهرة الى الجوهر، ومن الجوهر الأقل عمقاً الى الجوهر الأعمق).
ليس ثمة اي اطار يحدد المنطق الدياليكتيكي في دراسة الأشيتاء، ان هذا المنطق يجهد لدراسة الأشياء، بكليتها الشاملة وبعمقها كله. كتب لينين معرفاً متطلبات المنطق الدياليكتيكي: (لكي نعرف شيئاً معرفة واعية، فيجب الاحاطة بجميع وجوهه، ودراسة هذه الوجوه، ومعرفتها بجميع ارتباطاتها وجميع تعابيرها غير المباشرة، ونحن لا نتصول الى ذلك بصورة كاملة، ولكن هذا المطلب الضروري يجنبنا الأخطاء واختبال الفكر).
وخلافاً لذلك، لا يأخذ المنطق الشكلي عادةً الا ما يقع اولاً وغالباً تحت الأعين، وما هو على سطح الظاهرات نفسه. هنا يتوقف المنطق الشكلي، وبهذا الحد يكتفي. انه لا يتخطى العلاقات الأكثر عادية، وبساطة، وشيوعاً، انه لا ينفذ الى مضمون الشيء الموضوع للدرس، ولا يكشف عن جوهره. وهذا ما يخلق الطابع الضروري للمنطق الشكلي.
يقول لينين: (يتخذ المنطق الشكلي تعريفات شكلية، مستنيراً الى ما يقفز الى الأعين عادة وفي الأغلب، ثم يتوقف عند هذا الحد).
وتبعاً لهذا، فالفرق بين المنطق الشكلي والمنطق الدياليكتيكي يقوم في واقع أن الأول يتوقف تماماً عند الدرجة الأولى من المعرفة، ولا يذهب الى ابعد من ذلك، في حين ان الثاني يتخطى سطح الأشياء.
ان المنطق الشكلي يضع ويحل مسألة الحقيقة بصورة مجردة الى ابعد حدود التجريد، فهو بانحرافه عن المجرى التاريخي للمعرفة، عن وجهة النظر التاريخية، التي تعتبر الحقيقة نفسها حركة نمو، لا يأخذ بعين الاعتبار ان الشيء الموضوع للدرس لا يستنفد. فالمنطق الشكلي يحيد عن مضمون الأفكار، وخصوصاً عن حركة هذا المضمون، عن نموه وعن الارتباطات العامة، وذلك ما يميز ايضاً المنطق الشكلي من المنطق الدياليكتيكي لأن: (المنطق الدياليكتيكي يعلمنا ان ليس ثمة حقيقة مجردة، فحيز الحقيقة ملموس دائماً وأبداً)، كما يقول لينين.
الفيلسوف السوفييتي، بونيفاتي ميخايلوفيتش كيدروف
خارج الموضوع تحويل الاكوادإخفاء الابتساماتإخفاء