كريشنامورتي: الشكّ هو الطريق إلى الوعيّ

كما تعلمون، أن نشك، أمرٌ جيدٌ جدًّا أن نتصف بذهن يشكِّك، لا يقبل، ذهن يقول: لم يعد بإمكاننا أن نواصل الحياة هكذا، على هذا النحو الوحشي، العنيف. ومنه، فإن للشك، للتشكيك أهمية خارقة، لا الاكتفاء بتقبُّل أسلوب الحياة الذي اتَّبعناه ربما طوال ثلاثين عامًا، أو أسلوب الحياة الذي اتَّبعه الإنسانُ طوال مليون سنة. وإذن، فنحن نشكِّك في واقعية الفردية.
الوعي يعني التيقُّظ، المعرفة، الإدراك، الرصد. ومحتوى الوعي هو معتقدك، لذَّتك، خبرتك، المعرفة المعيَّنة التي جمعتَها، سواء من خلال الخبرة الخارجية أو من خلال مخاوفك، تعلُّقاتك، ألمك، عذاب الوحشة، الأسى، البحث عن شيء أكثر من مجرَّد الوجود الجسماني – ذاك كلُّه هو وعي المرء وما يحتويه. قوام الوعي هو محتواه. من غير محتوى، ينعدم الوعي كما نعرفه. ذاك الوعي – وهو معقَّد للغاية، متناقض، يتصف بحيوية خارقة –، هل هو وعيك أنت؟ هل الفكر فكرك؟ أم أنه لا يوجد سوى التفكير، وهو ليس من الشرق ولا من الغرب؟ يوجد التفكير وحسب، تشترك فيه البشريةُ جمعاء، أغنياؤها وفقراؤها على حدٍّ سواء. فالتقنيون، بمقدرتهم الخارقة، أو الرهبان الذين ينسحبون من العالم ويكرِّسون أنفسهم لفكرة ما، مازالوا يفكرون.
فهل تشترك البشرية جمعاء في هذا الوعي؟ أينما ذهب المرء، تراه يشهد الشقاء، الألم، القلق، الوحشة، الجنون، الخوف، إلحاح الرغبة. هذا كلُّه مشترك بين الجميع؛ إنه الأرضية التي يقف عليها كلُّ إنسان. وعيك أنت هو وعي البشرية، بقية البشر. إذا فهم المرءُ طبيعةَ هذا الأمر – أنك بقية النوع البشري، مع أن أسماءنا مختلفة، نعيش في أجزاء مختلفة من العالم، نُربَّى بطُرُق شتى، نكون ميسوري الحال أو مدقعي الفقر –، حين تنظر خلف القناع تجدك مثل باقي البشر: عصابيًّا، موجوعًا، تعاني الوحشة والقنوط، تؤمن بوهم ما، إلى آخر ما هنالك. وسواء ذهبتَ إلى الشرق أو إلى الغرب وجدتَ الأمر على هذا النحو. قد لا تستحبُّه، بل قد تستحبُّ التفكير بأنك كلِّي الاستقلالية، حرٌّ، فرد. لكنك حين ترصد رصدًا عميقًا للغاية تجد أنك بقية البشرية.
كريشنامورتي

شكرا لتعليقك